سنغافورة تتغير وسط رسوخ مكانة لي كوان يو

لي كوان يو حقق نجاحاً استثنائياً في سنغافورة أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشكل رئيس وزراء سنغافورة الأسبق لي كوان يو آخر حبات عنقود قادة ما بعد الاستقلال، الذين تخطت شخوصهم البلدان التي تولوا حكمها. وكان من الضروري، في الفترة الأخيرة التأمل في معنى حياة السنغافوريين من دون كوان يو، الذي خضع للعناية الطبية المشددة منذ بداية فبراير الماضي، لنجد أنها كانت ستبدو صعبةً لولاه.

يختلف لي كوان يو عن بقية القادة الأفارقة والآسيويين الكبار بمنحيين أساسيين، يتمثل أولهما بأنه صمد في الحكم أكثر منهم جميعاً، وقد تقلد رئاسة وزراء سنغافورة منذ 1959 حتى 1990، وشغل منصب وزير أول بين 1990 و2004، وكان الوزير المعلم حتى = 2011. أما المنحى الثاني، فهو أنه حقق نجاحاً استثنائياً عجز عنه معاصروه. وقد أتى العديد منهم إلى السلطة على هيئة أبطال الاستقلال القوميين، وتمكنوا بعد بضع سنوات من أن يصبحوا "رؤساء لمدى الحياة"، في حين يشهد اقتصاد بلدانهم التخريب. أما لي كوان فسجل، منذ البداية، ازدراءه لمبدأ الرجل الواحد الصوت الواحد. أما ما تمكن من إنجازه لاقتصاد سنغافورة، فينعكس في عنوان الجزء الثاني من مذكراته، الذي حمل عنوان: "من العالم الثالث إلى الأول."

لطالما كانت سنغافورة، في ظل حكم كوان يو براغماتية، صديقة للأعمال، ولطالما كانت غير مستعدة لتقديم أي أعذار حول القيود المفروضة على الحرية الفردية وحرية التعبير، اللتين تعتبران أساسيين في تقدم البلاد.

أما اليوم، فسنغافورة تتغير، كما توقع كوان لي، إلا أن مكانته في التاريخ محفوظة.

صدّ الكثيرون من معاصري كوان يو الديمقراطية، وحاولوا التمثل بالطغاة المثاليين المطبوعين على الخير، إلا أن طغيانهم كان يفوق في النهاية حبهم للخير، وخططهم الاقتصادية يصبح مصيرها الغبار. أما كوان لي، فكان متميزاً بجمع صفتي الطغيان وحب الخير. إذا قلت إننا لن نرى رجلاً من طراز كوان لي مجدداً فسيسّر البعض، إلا أن سنغافورة الحديثة هي الإرث، والنقش المحفور على ضريحه للأبد. وربما هذا ليس كافياً.

Email