أكثر الجهود العسكرية نجاحاً معرض للفشل دون مواكبة سياسية

حل أزمات العراق محكوم بإعادة البناء على أسس وطنية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ما شهده العراق خلال السنوات الثلاث الماضية جعل منه دولة فاشلة. فرئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي لم يفشل لمجرد أنه أصبح فاسداً، ومتسلطاً، وطائفياً، وإنما فشل هو والمحيطون به على جميع المستويات.

وأوضح تقريران صادران عن مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في واشنطن حجم القضايا التي يجب معالجتها على الفور. ويتناول أحد هذين التقريرين تحليل المشكلات الاقتصادية وتلك المتعلقة بطريقة ممارسة الحكم، المسؤول عنها نظام نوري المالكي، والذي جر العراق إلى الأزمة الحالية.

ويتناول التقرير الثاني أداء المالكي، ويعطي لمحة موجزة عن الأحكام الصادرة من الوكالات الدولية عن حالة التنمية والحكم في العراق في نهاية نظامه.

التحديات الاقتصادية

لم تُستخدم ثروة العراق النفطية لتهيئة ظروف اقتصادية تساعد على الوحدة السياسية. وتعد هذه معضلة أساسية لمحاولة رأب صدع الانقسامات الطائفية والعرقية. فقد فضل نظام المالكي نفسه والطائفة الشيعية على السنة في العراق.

وتأرجح موقفه بين استمالة الأكراد وإجبارهم على وضع كل نواتج تنمية النفط تحت سيطرة الحكومة المركزية.

والنتيجة النهائية هي أن عائدات النفط القياسية لم تسهم في رفع مستوى دخل الفرد العام وخلق فرص عمل مجدية في العراق، وإنما أوجدت اقتصاداً قائماً على التمييز بشدة. ولا توجد بيانات موثوقة بشأن توزيع الدخل في العراق، من حيث الطائفة والعرق.

ولكن يتضح حجم مشكلات العراق عبر مقارنة الدخل العام للفرد العراقي بالدخل العام للفرد في دول الخليج. وتقدر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية دخل الفرد في العراق بحوالي 7.100 آلاف دولار أميركي، مقارنة بحوالي 12.800 ألف دولار أميركي في إيران، و31.300 ألف دولار أميركي في السعودية.

ولم يطور المالكي وشركاؤه برنامجاً معقولاً للتنمية، ولم يعالجوا أزمة البطالة، ولم يوجدوا سبلاً فعالة لتقسيم ثروة البلاد واستخدامها بنجاعة.

ولم تتناول حكومة المالكي إصلاح التعليم والنظام الصحي، ولم تمنح الشباب في العراق مستقبلاً واعداً. ووضعت الحكومة خططاً جدُ طموحة لكنها غير عملية لتنمية صناعة النفط، ولكنها لم تخلق خططاً فعالة لتطوير وتنمية البنية التحتية للعراق.

وللإنصاف، فإن كثيراً من هذه الإخفاقات أعقب فشل الولايات المتحدة في تجاوز مشروع وبرنامج الاستجابة الطارئة للمساعدات «سي إي أر بي»، ووضع خطط تنمية شاملة هادفة للعراق.

وهذه أيضا نتائج عدم وجود كفاءات اختصاصية للتعامل مع الجانب الأوسع للتنمية، كالتي استخدمتها وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية في كل من أفغانستان والعراق خلال العقد الماضي، فضلا عن التركيز على قضايا الحكم والأمن المُلحة قصيرة المدى، والتي امتدت على الفترة التي أعقبت رحيل القوات الاميركية في نهاية عام 2011.

تحديات الحكم

إذا أراد العراق التوحد والتعافي مما أصابه، فيجب عليه فعل أكثر من مجرد محاولة هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش».

يجب أن يتعامل مع المشكلات الاقتصادية المذكورة وإصلاح هيكل الحكم، للحفاظ على مستوى معين من الوحدة الوطنية، وضمان أمن الطوائف الرئيسية فيه ومعاملتها بالعدل. وصعبت حكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي من شأن مواجهة هذه التحديات بشدة على كل المستويات.

وبعيداً عن صراعات القوى الطائفية والعرقية على أعلى المستويات الحكومية، عمق نظام المالكي المشكلات المتعلقة بضرورة ايجاد حكومات فعالة في المدن والمحافظات، فضلاً عن ايجاد قوة شرطية فعالة، ونظام قانوني موثوق به.

قد يكون الحل الأمثل هو نظام فيدرالي أقوى، وتقاسم لعائدات النفط، وتركيز على التنمية المحلية والمركزية كذلك. ومن الأهمية بمكان فهم أنه لا يمكن تقسيم العراق على أسس طائفية وعرقية ببساطة. فنصف المساحة التي يُسيطر عليها الأكراد مختلطة، وتحوي نسبة عالية من مشكلات اللاجئين.

وتتجاهل الخرائط التي تقسم العراق على أساس التوزيع العرقي والطائفي مشكلات مسألة تدفق وإدارة المياه، والمنافذ إلى البحر وأنظمة التجارة، والطرق الرئيسية والأراضي الصالحة للزراعة، وموقع مخازن النفط، وطرق تصدير الطاقة.

وواقع الحال يشير إلى أن أغلب المناطق المُكتظة بالسكان في العراق تتركز شرقي نهر الفرات، وعلى امتداد نهر دجلة. ومعظم المناطق غرب نهر الفرات فارغة تماماً.

إن ما لا يمكن للولايات المتحدة فعله هو التركيز على القتال. ولابد من التأكيد على أن لا حلول عسكرية للحروب الأهلية.

وبينما لا تفضل الولايات المتحدة الأميركية اصطلاح «بناء الأمم»، يتعين على العراق إعادة بناء نفسه كأمة وإلا ستفشل حتى أكثر الجهود العسكرية نجاحاً.

تحديات ديمغرافية

لم تعالج الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، المشكلات الاقتصادية الشاملة في العراق، أو الضغوط الهائلة المتعلقة بالديمغرافيا السكانية، بجدية في يوم من الأيام.

وتصف وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية نوعية سكان العراق بالشابة جداً، الأمر الذي يخلق ضغطاً كبيراً لإيجاد وظائف جديدة.

ولا توجد وسيلة لتقدير حجم الخسائر في المنازل والمشاريع خلال القتال الدائر في العراق، فضلاً عن انهيار النظام التعليمي الضعيف والمتعثر، وتزايد مستويات الطائفية، والمدخرات المستنفدة، والمشكلات الطبية الرئيسية الجديدة.

ومن الواضح أن الاقتتال الدائر حالياً في العراق جعل من الحياة كابوساً اقتصادياً عنيفاً لليزيدين وللعديد ممن تبقى من المسيحيين.

Email