الاحتلال ليس موضع ترحيب حتى من ذوي الأصول الروسية

القرم مرشحة للتحول الى أفغانستان جديدة لموسكو

ت + ت - الحجم الطبيعي

جرى، أخيراً، احتلال مقر حكومة القرم، المنطقة ذات الحكم الذاتي في أوكرانيا، من قبل قوات خاصة، زيهم الرسمي من دون معالم، لكن هويتهم لا تشكل لغزاً على أحد.

وتقول حكومة الإقليم الجديدة في شبه جزيرة القرم، التي يقودها رئيس الوزراء الموالي لروسيا الذي تم تنصيبه أخيراً، على الرغم من شعبيته المحدودة، إن الروس في القرم يحتاجون إلى حماية من الحكومة المؤقتة «الفاشية» الجديدة في كييف.

لكن أولئك القادة لا يتحدثون باسم سكان القرم. فسكان أوكرانيا من الروس لم يطالبوا بغزو روسي أبداً، ولا يحتاجون إلى الحماية التي يتم تقديمها.

والمزاج السائد في القرم، لا يعبر عن الفرح، بل عن الخوف، حتى بين المثقفين المحليين الناطقين بالروسية الذين دافعوا بقوة عن حقوقهم اللغوية وهويتهم الثقافية. والغالبية العظمى من سكان القرم من الروس لم يرغبوا برؤية الدبابات الروسية والجنود ينتشرون في الطرقات، ويدركوا أنه إذا استمر الاحتلال، فإنه قد يقوض طريقة حياتهم.

فالقرم مقصد سياحي، ومداخيل ورفاهية عدد كبير من سكانه يعتمد عل العائدات من مواسم ذروة السفر. وهؤلاء لا يستطيعون العيش على حصص تموينية من الجيش الروسي. ويدركون أن القرم لا يمكن أن يكون مستداماً اقتصادياً عن باقي أوكرانيا، الذي يمد المنطقة بالكهرباء والمياه.

قانون أخرق

صحيح أن الروس في القرم وفي جنوب شرق أوكرانيا أغضبهم قانون أخرق ومتهور يلغي الروسية باعتبارها واحدة من اللغتين الوطنيتين في أوكرانيا، وهذا القانون تم تمريره خلال الحمى الثورية التي أعقبت الإطاحة بالرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش.

لكن الحكومة المؤقتة في كييف ألغت القانون. بالتالي ما هو الأمر الذي يعد سكان القرم من الروس بحاجة «للحماية منه؟

وسكان القرم كانوا قادرين على رؤية التركة الفاسدة ليانوكوفيتش بشكل مباشر، عندما غادر قصره الرئاسي تاركاً وراءه بيتاً ريفياً للعطلات غير مبني على ساحل البحر الأسود.

يانوكوفيتش وابنه أولكسندر استولوا على عقارات في جميع أنحاء شبه جزيرة القرم لبناء المنازل الفخمة ولإقامة مشاريع تحت سيطرة الرئيس ولمصلحته. وباستخدام أساليب عديمة الضمير، منعوا الأوكرانيين البسطاء من زيارة الشواطئ، والمحميات الطبيعية وغيرها من الأماكن.

فإذا أصبحت القرم محمية روسية، فإنها ستدمر أي أمل في محاربة الفساد المتفشي الذي كان يمثله يانوكوفيتش. قبل الهجوم العسكري الروسي أخيراً، عدد كبير من أهالي القرم، من الأعراق الروسية والأوكرانية والتتار، استقلوا القطارات والرحلات إلى كييف.

انعدام الأمان

والشعور بانعدام الأمان منتشر. فالجماعات الناشطة المؤيدة لأوكرانيا تناقش ما إذا كان عليها الفرار أم القتال، وتلك الجماعات تتألف في غالبيتها من العرقية الروسية. ويخشى هؤلاء إن بقوا أن يكونوا عاجزين، فيما يجري سحق الاحتجاجات السلمية بلا هوادة، وان يجري لاحقاً تلطيخ اسمهم بـ «الخونة».

فهل ستعبر المراكب قريباً المياه العاصفة للبحر الأسود إلى تركيا، كما حصل عندما حاول اليائسون الهرب من وراء الستار الحديدي خلال الحقبة السوفييتية؟

الروس بعد أن نزلوا على الأرض يرون بالتأكيد انهم ليسوا موضع ترحيب بل خوف وخشية، حتى من قبل أبناء العرقية الروسية الذين اعتقدوا انهم سيستقبلونهم بالعناق.

إذا تكشف حدوث كارثة إنسانية في شبه جزيرة القرم، مع لاجئين يحاولون الفرار إلى بقية مناطق أوكرانيا وبلدان أخرى، فإنها ستكون كارثة بالتأكيد تأتي بنتائج عكسية على نظام بوتين في الوطن.

وإذا فشل بوتين في رؤية علامات التحذير تلك، وإذا قام بتصعيد هذه الأزمة من خلال تدخل أوسع نطاقاً في أجزاء أخرى من أوكرانيا، فإنه سيكون قد ارتكب الخطأ نفسه الذي اقترفه السوفييت عند غزوهم أفغانستان في عام 1979. وهذا الغزو الكارثي سرع بانهيار الإمبراطورية السوفييتية.

 

تاريخ أليم

 

جماعة واحدة لا شك في أنها ستبقى صامدة في شبه جزيرة القرم للمطالبة بحقوقها، وهم السكان المسلمون من التتار، ذوو العدد الكبير الذين لديهم لغتهم وثقافتهم. في عام 1944، اقتلع نظام ستالين من دون رحمة سكان التتار، وشتتهم في آسيا الوسطى.

وبدءاً من عهد غورباتشوف، فإن أطفال وأحفاد أولئك التتار النازحين بدأوا بالعودة إلى ديارهم، ويمثلون الآن ما يصل إلى 300 ألف من أصل مليوني نسمة في القرم. وذكريات أليمة من النفي القسري تستمر في مطاردة ذاكرتهم الجماعية.

 وزعماء مجتمع التتار دعوا إلى التزام التهدئة، لكن توجد أقلية صغيرة وإن كانت نشطة بينهم أعضاء في جماعات إسلامية متشددة قد لا تلتزم بالضرورة بتوجهات القادة المعتدلين للمجتمع.

وتستخدم وسائل الإعلام الروسية بصورة غير عادلة وجهات النظر المتطرفة لهذا الجزء الصغير من السكان لوسم سكان شبه جزيرة القرم من التتار بأكملهم باعتبارهم انفصاليين وإرهابيين، على الرغم من أنهم صوتوا بثبات للأحزاب الديمقراطية الأوكرانية.

Email