إدانة روسيا مجزرة الحولة ثغرة في دفاعها الدبلوماسي عن نظام الأسد

ت + ت - الحجم الطبيعي

دعم روسيا لبيان الإدانة الصادر عن مجلس الأمن الدولي ضد عمليات القتل في الحولة بسوريا أول نبأ إيجابي يتعلق بالأزمة السورية منذ عدة أشهر. وهو يطرح إمكانية أن تجد واشنطن وموسكو قضية مشتركة في التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد، ونزع فتيل التمرد ضد نظام دمشق.

وقد تحرك الناطقون الروس، أخيراً، للإشارة إلى أن الأحداث في الحولة، التي تقول الأمم المتحدة إن 116 مدنياً من بينهم العشرات من الأطفال قتلوا في قصف من قبل القوات الحكومية، كانت غامضة، وأن معارضي النظام يتحلمون جانباً كبيراً من اللوم في المجزرة، وأن معارضة روسيا لتغيير النظام لا تزال قائمة.

ثغرة

ولكن لم يكن هناك مجال لتجنب حقيقة أن بيان الأمم المتحدة الصادر بالإجماع يمثل ثغرة في الدفاعات الدبلوماسية التي أقامتها موسكو حول النظام السوري. ويمكن الافتراض بشيء من اليقين، في ظل أهميته، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد اتخذ القرار بشأنه.

وحتى عندما ارتفع عدد القتلى في سوريا عن 10 آلاف قتيل، بحسب تقديرات الأمم المتحدة وتعثر مهمة المبعوث الأممي كوفي عنان، فقد واصلت روسيا الترويج لطرح أسلوب النظام السوري بأن الإرهابيين و المتطرفين كانوا هم المسؤولين عن تفجير العنف. و الآن، ومن خلال الموافقة مع أميركا و بريطانيا على أن الأسد ينتهك القانون الدولي من خلال لجوئه إلى الاستخدام المفرط للقوة، فإن موسكو قد اتخذت خطوة كبيرة ورمزية باتجاه تأييد خلع الرئيس السوري.

ضغوط

تعرضت روسيا لضغوط دبلوماسية مكثفة لتغيير موقفها، وهو الضغط الذي بدأ يلحق ضرراً بمصالحها على نطاق أوسع في منطقة الشرق الأوسط، على الصعيد الثنائي بين دول في المنطقة و القوى الاوروبية الرئيسية والولايات المتحدة. ولكن هذا في حد ذاته لا يفسر ميل موسكو المؤقت نحو توافق في الآراء.

وثمة تفسير أكثر احتمالاً يتمثل في عودة دفة السياسة الخارجية لبوتين، الذي أعيد تنصيبه، أخيراً، كرئيس لروسيا. وهو ليس مهادناً، وليس صانع سلام محبوب، كما أظهر مرارا وتكرارا في مناطق الصراع من الشيشان إلى جورجيا. نهجه هو أكثر من كونه آلة حاسبة عنيدة ومجردة من العاطفة للكسب الوطني.

أهم بند في جدول أعمال بوتين الدولي ليس سوريا، أو أياً من انتفاضات الربيع العربي الأخرى. بل هو اجتماعه المقبل مع الرئيس الأميركي باراك أوباما. تعمّد بوتين تجنب حضور قمة مجموعة الثماني التي استضافها الرئيس الأميركي، أخيراً، في ماريلاند. وجعل أوباما ينتظر عدة أيام قبل الموافقة على قبول تهانيه هاتفيا على عودته إلى الرئاسة.

كل هذا تحايل مألوف على طريقة بوتين. من الناحية النظرية، فإنه يعطيه ميزة نفسية عندما يلتقي الرجلان. فماذا يريد بوتين؟

ضمانات

يريد بوتين ضمانات بشأن خطط التي تقودها الولايات المتحدة في الدفاع الصاروخية في أوروبا وآسيا، والذي تصفه روسيا بأنه يهدد أمنها بشدة. يريد بوتين قبول الوضع الراهن في القوقاز بعد انفصال الأراضي الجورجية المدعوم بروسيا في عام 2008. يرغب بوتين في الحصول على عضوية مثمرة لروسيا في منظمة التجارة العالمية. يريد بوتين وضع حد لانتقادات الولايات المتحدة بشأن الديمقراطية الموجهة في روسيا وعجز الحقوق المدنية. والقائمة تطول.

يريد أوباما الكثير من بوتين، بما في ذلك التعاون إلى ختام ناجح للمفاوضات، و نتيجة يتم التفاوض بشأنها فيما يتعلق ببعض القضايا في المنطقة، بالإضافة إلى المساعدة في التعامل مع الصداع الشائع مثل كوريا الشمالية. لذلك فهناك الكثير من الحوافز غير المباشرة لكلا الطرفين للتوصل إلى اتفاق بشأن سوريا.

خلال التحضير للقمة الثنائية، ناقش توماس دونيلون مستشار الأمن القومي لأوباما المسألة السورية مع بوتين في موسكو قبل أسابيع، وفقاً لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية. وعندما أثار أوباما مسألة مستقبل الأسد مع رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف خلال اجتماع قمة الثمانية، أبدى ميدفيديف استجابة حيال الأمر.

بموجب الاتفاق الوليد، فإن روسيا كانت ستوافق على خلع الأسد و استبداله بشخصية حكومية أقل إثارة للجدل، على غرار التحول الذي جرى في اليمن. لا يزال النظام سليماً إلى حد كبير، و كذلك مجال الاهتمام الروسي في سوريا، بما في ذلك علاقاتها التجارية وقاعدتها البحرية.

من جانبه، وفي ظل مثل هذا السيناريو، سيكون أوباما قادراً على الادعاء بأن المشهد السوري الملتهب سوف يتأجج دون اللجوء إلى التدخل العسكري (الذي تعارضه روسيا بشدة).

وأي نتيجة من هذا القبيل سيكون من الصعب على المعارضة الديمقراطية السورية تقبلها، وستكون أبعد بكثير من الثورة التي يسعى الكثيرون من خلالها إلى تغيير النظام. كما ينطوي على العفو عن الأسد وأتباعه، ويترك الباب مفتوحاً أمام مسألة وجهة رحيل الرئيس السوري إذا تم إجباره على المنفى. إذن، فكل هذه الأمور تجريبية، على أقل تقدير.

حتى الآن، فإن الاتفاق الوحيد المطروح على طاولة المفاوضات لا يزال هو خطة أنان التي تدعمها الأمم المتحدة، وهي نقطة تم التأكيد عليها، أخيراً، في موسكو من قبل وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ، التي وصفها بأنها الأمل الأخير بالنسبة لسوريا.

Email