نزاع بين المالكين والمستأجرين

نفاذ قانون الإيجارات في لبنان ينشر الفوضى

■ رفع الإيجارات القديمة الرخيصة يفجّر الحراك | البيان

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الأول من أبريل من العام الفائت، أقرّ مجلس النواب اللبناني قانون الإيجارات الجديد، الذي تطال مفاعيله نحو 180 ألف عائلة لبنانيّة، معتمداً على ما قرّرته لجنة الإدارة والعدل النيابيّة من تعديلات على مشروع الحكومة، ومن دون أن يتكبّد النواب الذين صوّتوا مع إقرار القانون عناء البحث في آليات وضع سياسات إسكانية تضمن حق السكن للمواطنين.. علماً أنه، ومنذ أوائل التسعينات، والدولة تمعن في انتهاك حق السكن، وسياساتها الإسكانية و«الإنمائية» والاقتصادية التي انتهجتها على مرّ السنوات جعلت من بيروت مرتعاً للمضاربات العقارية، مدينة طاردة لسكانها، تهمّشهم وتدفعهم نحو الأطراف.

وفيما كان منتظراً أن يشكّل وضع قانون جديد للإيجارات القديمة مناسبة لإرساء سياسة إسكانية شاملة، تتحمّل الدولة خلالها تأمين هذا الحق بشكل متساوٍ بين المواطنين، اكتفت بتحرير المالك القديم من عبء إسكان المستأجر القديم، دون أن تتحمّل هي هذا العبء، لتكتفي في ما بعد بدور «المتفرّج» على الصراع الحاصل بين المستأجرين والمالكين.

استثناءاتويبدأ القانون بإيجار الأماكن السكنيّة وأحكام خاصة بصندوق المساعدات، والمستفيدين من تقديماته، باستثناء الذين استأجروا وفق أحكام القانونين: 29/‏67 و10/‏74، أي الأبنية التي كانت تعتبر فخمة. وحدّد القانون بدل المثل على أساس نسبة خمسة في المئة من القيمة البيعيّة للمأجور في حالته القديمة.

بانوراما بالتطوّرات التي أعقبت الإقرار

وتسارعت التطوّرات في ما يخصّ قانون الإيجارات الجديد، بدءاً من إقراره بمادة وحيدة وما استتبعه من إنكار بعض النواب معرفتهم بتفاصيله، فتقدّم 10 منهم بطعنين أمام المجلس الدستوري، فأدّى القرار الثاني الذي أصدره المجلس حول هذا القانون إلى تفاقم الأزمة. إذ طعن «الدستوري» بمادتين وفقرة من القانون، وهي مواد أساسية لتطبيقه ترتبط بآليات تطبيقه، من دون أي إشارة حاسمة من قبله إلى مدى تأثير هذا الطعن الجزئي على نفاذ القانون.. وكانت لجنة الإدارة والعدل النيابيّة المحطة اللاحقة للقانون، حيث مكث على طاولتها أشهراً عديدة لم تثمر إلا بعض التعديلات الشكلية. وعلى الرغم من شكليتها، بقيت من دون فائدة بسبب عدم عرضها حتى الآن على الهيئة العامة لمجلس النواب ليقوم بإقرارها.

حملة كبيرةالى ذلك، جوبه القانون، ولا يزال يجابه، بحملة كبيرة من قبل فئات المستأجرين القدامى، تطوّرت الى الاعتصامات والتظاهرات في الشارع، يقابلها تحرّك مشابه للمالكين. وحتى الآن، لم يتجاوز النقاش المستعر في شأنه «طرفَي النزاع»، المالكين والمستأجرين القدامى، اللذين يظهران كما لو أنهما المعنيان فقط في هذا القانون، ذلك أن الخطاب العام، منذ إقرار القانون، لم يرتقِ إلى تناول حق المواطنين في السكن، ولا إلى طرح المغالطات التي ينصّ عليها هذا القانون والتي تتهدّد هذا الحق الدستوري.

وبين تأكيد «لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين في لبنان» أن «قانون الإيجارات الأسود هو قانون معطَّل، استناداً إلى قرار المجلس الدستوري الذي أبطل المواد المتعلّقة بآلية تطبيقه»، مع إشارتها إلى أن هذا القانون أصبح في عهدة مجلس النواب الذي له وحده حقّ البتّ بشأنه وتقرير مصيره، وبين رأي «تجمّع المالكين» الذي يعتبر أنّ قانون الإيجارات الجديد «نافذ» وفق الأصول، وأن مسألة ردّه إلى مجلس النواب «باطلة» في الدستور، فإن الآراء حول نفاذ القانون أو عدمه لا تزال تتضارب.

إشكاليّة قانونيّة لأجل غير مسمّى

في المقابل، لم يتمكن قضاة الإيجارات من التوافق على رأي واحد بالنسبة لهذا القانون، وبات المستأجرون والمالكون، على حدّ سواء، يقفون أمام قرارات قضائية متناقضة في قضايا الإيجارات. ذلك أن الخلاف حول نفاذ قانون الإيجارات الجديد لم يعد مقتصراً على النزاع «المستعر» بين المستأجرين القدامى ومالكي الأبنية المؤجّرة. فالإشكالية التي رافقت القانون، منذ صدوره في مايو عام 2014، طاولت القضاء الذي بات محكوماً باجتهادات القضاة المتباينة، ما أدّى إلى أحكام قضائية متناقضة تستند الى قانونين مختلفين: قانون 160/‏92 القديم وقانون الإيجارات الجديد، وهو ما يمسّ بالمساواة بين المواطنين الذين ما عادوا يعرفون على أساس أيّ قانون يجري التقاضي.

أمر واقع

اللامساواة في قضايا الإيجارات باتت أمراً واقعاً، ويصحّ القول إن الحظ يلعب دوره بالنسبة للطرفين، فإما أن يكون القاضي مقتنعاً بنفاذ القانون الجديد، فيخسر المستأجر سكنه. والعكس صحيح في حال كان القاضي غير مقتنع بنفاذ هذا القانون.. وذلك، في انتظار أن يُدرج قانون الإيجارات الجديد على جدول أعمال جلسة لمجلس النواب.

Email