أورثت المدن المعمار والفلاحة والصناعة والموسيقى

الثقافة الأندلسية في روح المغاربة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

إن كان صحيحاً أنّ الثقافة الإسلامية تغلغلت في روح كل إسباني وفق ما يقول الكاتب أنطونيو جالا، فإنّ الثقافة الأندلسية تغلغلت بالمثل في روح كل مغربي، فبعد سقوط الأندلس طرد المماليك المورسكيين من الجزيرة الإيبيرية بعد أن أقاموا هناك ما يقارب ثمانية قرون، ثمّ تمّ ترحيلهم نحو شمال إفريقيا عبر السواحل الإسبانية، فوفق ما أورد كتاب «الموريسكيون قبل وبعد الطرد» والذي ألفه المؤرّخ الإسباني مكيل دي أبلاسا فيرير أن التهجير كان نحو المغرب العربي، لاسيّما المملكة المغربية كونها الأقرب جغرافياً.

لقد احتضنت مدن المغرب المورسكيين ورحّب بهم سكان المملكة أيما ترحيب، ليستقرّوا في مدن الشمال مثل تطوان وشفشاون والقصر الكبير ومدن أخرى بعيدة عن الشمال مثل الرباط وفاس ومراكش وآسفي، فاختلطت العادات وتطبّع المغاربة بالأندلسيين في المعمار والحدائق والفلاحة والصناعة وطرق الكلام واللبس والطبخ والموسيقى، فبقيت حضارة الأندلس العريقة حيّة لم تندثر في مكان غير بعيد عن معقلها، فبقيت الأندلس حاضرة في المغرب تمتد جذورها في أعماقه.

آثار أندلسيين

ترك الأندلسيون أثراً كبيراً على المدن المغربية التي دخلوها، لاسيّما الشمالية منها، فمدينة تطوان عادت إلى الحياة بعد هجرتهم إليها أواخر القرن التاسع الهجري، إذ كانت تعاني مما تركه البرتغاليون على أرضها وشهدت المدينة على أيديهم تشييد أسوار وأبواب وحواري، وأصبحت البيوت بتطوان وشفشاون وبعض مدن الشمال بالمغرب شبيهة بالبيوت الموريسكية، حيث يتميز العمران الأندلسي بالفسيفساء الخزفية «الزليج» على الأسوار والحيطان وبالنقوش والزخارف الجبصية والخشبية على الأسقف وبالزوايا، كما بنيت مجموعة من المآذن والمحارب بالمساجد المغربية بالشكل الأندلسي، وعرفت الحدائق نفس التصميم الأندلسي الموجود داخل القصور الأندلسية الإسبانية، وذلك باعتماد النقوش والزخارف وسقايات وأحواض الماء والنوافير المائية المحاطة بالنباتات والخضرة.

ونقل الأندلسيون إلى المطبخ المغربي أنواعاً من الحلويات والمأكولات، إذ حملت نفس المذاق والتنوّع للتشابه الكبير بين طبيعة إسبانيا والمغرب، وتستعمل نفس المكونات من زيت الزيتون وأعشاب وخضر وفواكه وسمك، بينما أخذ المغاربة عن الأندلسيين العديد من طرق الطبخ وأشكالا للتقديم، فأشهر أكلة مغربية «الكسكس» هي من أصول أندلسية.

عادات وفنون

لا تزال نساء شمال المغرب يلبسن المنديل الموريسكي المخطط بالأبيض والأحمر والذي يسمى «أتازير»، ويربطنه في البطن بحزام يدعى «الكرزية» ويضعن على رؤوسهم «الشاشية»، وينتعلن البلغة، وفي المناسبات يلبسن «القفطان» و«السلهام»، وحتى الطرز التطواني الذي تقوم بتطريزه النساء بالمنطقة على الملابس والشراشف والمخدات مستوحاة بشكل كبير من الطرز الأندلسي، كما أخذت المغربيات من الثقافة الأندلسية العديد من التفاصيل كطرق تزيين العروس وطريقة إعداد صندوق العروس الذي تجمع فيه كل الملابس والتطريزات وتحفظ جيداً إلى أن تأخذه معها إلى بيت الزوج.

تراث

وتأثّر سكان الشمال المغربي باللغة الأندلسية فغدت لغتهم، فضلاً عن كونها خليطاً من العربية والأمازيغية مشبعة باللغة الإسبانية الوافدة إليهم مع الأندلسيين من وراء البحر.

واهتم الأندلسيون بالموسيقى والرقص والغناء، وانعكس الفن الأندلسي على المغاربة حتى غدا أنواعاً منتشرة في كل أرجاء المغرب. ومن الفنون الموسيقية المغربية المستوحاة من التراث الأندلسي فن الملحون والطرب الغرناطي والموسيقى الأندلسية والإنشاد الصوفي.

Email