خروقات بالجملة والغرامة تجنب إقفال المقاهي والمطاعم

منع التدخين.. قانون لبناني تحرقه نيران السجائر

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين أنهى الطبيب إجراء عملياته الجراحية، دخل إلى مقهى المستشفى، طلب فنجان قهوة وأشعل سيجارته. اقتربت منه النادلة، وهمست في أذنه قائلة " حكيم ممنوع التدخين" مشيرة بيدها إلى لافتة معلقة على الباب. ضحك الطبيب وسحب من جيبه مبلغ 135 ألف ليرة لبنانية، ووضعه على الطاولة. وقال للنادلة:" أنا مستعد لدفع ضبط المخالفة، ولكن على صاحب المستشفى أن يدفع أيضا"، عملا بأحكام قانون منع التدخين في الأماكن العامة، الذي يفرض على صاحب المؤسسة دفع ضبط مخالفة بقيمة مليوني ليرة في حال ثبت أنه يغض الطرف عن المدخنين في مؤسسته.

تختصر تلك الحادثة واقع قرار منع التدخين الذي بدأ تنفيذه أواخر العام الماضي، بعد عام على إقراره نتيجة دراسة معمقة استمرت 8 أعوام، بنشاط مميز للمجتمع المدني وخاصة جمعية "حياة حرة بلا تدخين" ومجموعة البحث للحد من الظاهرة في الجامعة الأميركية".

"دخّن وادفع ضبط المخالفة"، حل لجأ إليه أصحاب المطاعم والملاهي بعد 4 أشهر من تطبيق القانون، وعارضوه بإعتباره مجحفا، إذ تسبب بتراجع أعمالهم بين 40 و80% وطالبوا بتعديله، ولكن دون جدوى وخصوصا أن لبنان البلد رقم 104 الذي التزم بالمنع في الأماكن العامة، ووقع اتفاقا مع منظمة الصحة العالمية، كبلد يموت فيه سنويا 3500 شخص بسبب أمراض تسببها آفة التخين.

وإذا كان أصحاب المطاعم والملاهي مخيرين بين القفل النهائي لمصالحهم، وبين دفع المخالفة، فقد فضلوا الخيار الثاني فخسارته محدودة، وفق ما أكده عدد منهم.

والمادة 15 من القانون تشير إلى أن تكرار الجرم يرفع العقوبة إلى الحبس من شهر إلى 6. لكن يبدو أن الأمر غير رادع، و"المال يحل كل شيء" كما يقول صاحب مقهى يشكل تقديم النرجيلة أساس دخله. ويستفيد أصحاب المطاعم من ثغرة أساسية بالقانون تتمثل في اقتصار عناصر الشرطة السياحية على 70 عنصرا، 15منهم فقط يراقبون تطبيق قانون المنع في 10 آلاف مؤسسة سياحية، بينما المطلوب زيادتهم إلى 256 عنصرا عملا بالمرسوم رقم 1460.

الالتزام بالقانون جاء جديا في أسابيعه الأولى، أو "هذا ما بدا عليه الأمر"، وكان تطبيقه قد بدأ عمليا في فصل الخريف، ما يتيح للمطاعم فتح النوافذ في جهتين مقابلتين ليصبح التدخين "مقوننا". أما من يملك فسحة خارجية، فلا يواجه أي مشكلة على اعتبار أن التدخين متاح في الهواء الـطلق.

ولكن مـع بـدء فصل الشتاء، أصبحت المشـكلة أكـثر جدية. بدأ التدخين في القاعات المقفلة خجولا، وكانت إدارة المطاعم تنتظر مرور الشرطة السياحية التي تنشط عادة في عطلة نهاية الأسبوع لتعلن أن "الخطر" قد زال، وأن التدخين بات مسموحا، وأن النرجيلة متوفرة لمن يرغب، ثم ما لبث أن أصبح التدخين علنيا في معظم الأماكن العامة، ولم يبق منه سوى إشارة "ممنوع التدخين" المعلقة على الباب الخارجي تحت رحمة الخان.

وقدعاد دخان السجائر والنراجيل يرسم غيمة رمادية في الأجواء المحظورة بفعل القانون، ومعه خفتت أصوات المعارضين للقانون وفي مقدمهم نقابة المطاعم والملاهي التي غاب نقيبها بول عريس عن السمع عندما اتصلت به "البيان" للوقوف على رأيه من القانون والخروقات المسجلة بحقه، وأحالتنا سكرتيرته إلى نائبه طوني الرامي الذي لم يجب على هاتفه رغم محاولاتنا المتكررة.

هل احترق قانون منع التدخين بنار السجائر المشتعلة؟ أم هي تسوية غير معلنة ترضي أصحاب المصالح ولا تحرج الحكومة العاجزة عن تطبيق التزاماتها إزاء المجتمع الدولي، ولا تخوض في التعديل الذي يعارضه المجتمع المدني؟

Email