مصر: الشركات تطلق حملات «المسؤولية الاجتماعية» لكسب قلوب المستهلكين

ت + ت - الحجم الطبيعي

"المسؤولية الاجتماعية" هي اللافتة الجديدة التي ترفعها الشركات في الفترة الأخيرة لتثبت جدارتها وأحقيتها في الاستمرار بالأسواق التي تعمل بها، فبجانب التنافس على أموال المستهلكين تتنافس الشركات أيضا على كسب قلوبهم وتعاطفهم مع أعمال الخير التي ترعاها تلك الشركات من خلال حملات "المسؤولية الاجتماعية".

لكن التساؤل الذي يطرح نفسه.. هل التكافل الاجتماعي ومساعدة الفقراء والمحتاجين هو الهدف الأول للإعلان والشركة المعلنة؟ أم أن هناك أهدافاً أخرى لا يعلمها المستهلك تتستر وراءها تلك الشركات ؟ وهل ربط المنتج الإعلاني بأعمال الخير والتنمية دليل على مأزق في ترويج المنتج بالطرق الكلاسيكية التجارية؟ وهل المستهلك يتأثر أكثر بالإعلان ذي الطابع الخيري أكثر من تأثره بأي إعلان آخر؟..

أسئلة كثيرة تدور في ذهن المستهلك العربي نبحث عن إجابات لها عبر السطور التالية، خاصة أنه في مصر على وجه التحديد فجرت ثورة 25 يناير موجة من حملات المشروعات التي تعرف بأنشطة المسؤولية الاجتماعية، وهى حملات تتم بمشاركة عدد من الشركات العالمية والمحلية التي سارعت إلى تخصيص جزء من دخلها لبرامج التنمية المحلية والإنسانية في مصر؛ لذلك لم يعد غريبًا على المستهلك أن يشاهد إعلانات لشركات عالمية تتحدث عن أعمال الخير كبناء مستشفيات لعلاج السرطان أو حملات لجمع التبرعات لضحايا المجاعات والحروب حول العالم، وحتى الإعلانات الخاصة بمشروعات التنمية المحلية مثل توصيل مياه الشرب النقية إلى المنازل أو توفير فرص عمل للشباب. وأشهر وأحدث هذه الحملات، حملة الإعلانات التي أطلقتها في مصر شركات: بيبسي، موبينيل، شيبسي واتصالات مصر، وغيرها من الشركات التي اعتبرت نفسها ملتزمة بحملات المسؤولية الاجتماعية.

 

أهداف مجتمعية لا شخصية

وتعتبر شركة "اتصالات-مصر" أن المبادرة التي أطلقتها لتوفير المياه لعدد من القرى المصرية تحت بند المسؤولية الاجتماعية، جزء من مسؤولياتها الاجتماعية تجاه المجتمع المحلي، وهو ما يؤكده محمد خليل، مدير العلاقات العامة والخدمة المجتمعية بشركة اتصالات مصر، من أن الشركة اتخذت من الماء مبادرة تتبناها العام الحالي لارتباطها بمشاكل العديد من الأفراد، لاسيما في المناطق والقرى البعيدة التي لا تصلها المياه، واعتبرت أن الماء أصل الحياة ووجهت هذه المبادرة للمحرومين من المياه الصحية السليمة والمناطق النائية وتقديم خدمة توصيل المياه لكل هؤلاء، في إطار حملات ميدانية لتوعية وتعليم الطلبة أهمية المياه ومصادرها وطرق الحفاظ عليها، وكذلك توفير المياه الصالحة للشرب وتنقية المياه الملوثة وإدارة مشاريع مياه الري ومعالجة الفشل الكلوي.

مشيرا إلى أن تلك الجوانب الاجتماعية تمثل أهدافًا حقيقية إيجابية تسعى الشركة لضخها في المجتمع باستمرار دون أن يكون هناك أهداف شخصية لترويج منتج أو التوزيع من ورائه ولكنها جوانب ضرورية حتمية تسعى الشركة لدفعها للحفاظ على تواجدها المجتمعي وللمساهمة في حل المشكلات التي تجدها أمام العديد من الأفراد.

أضاف خليل أن اتصالات دخلت هذا المجال منذ سنوات بالمساهمة في تنمية المناطق العشوائية وتوصيل المياه إلى القرى النائية من خلال توجيه نسبة من عائد المكالمات وبطاقات الشحن والفواتير لتمويل مشروعات التنمية بالتعاون مع الجمعيات الأهلية في محاولة لاكتساب الثقة والمصداقية من خلال إبراز دورها الاجتماعي، وتلك المشاريع كانت معفاة من الضرائب.

 

الكود الأخلاقي

ومن الشركات الأخرى التي أطلقت مشروعات للمسؤولية الاجتماعية شركة "فودافون" التي بلغ حجم استثماراتها بمصر في مجال المسؤولية الاجتماعية ما يقرب من 180 مليون جنيه مصري، وأنشأت فرعا مسئولا عن المسئولية الاجتماعية يحمل اسم مؤسسة فودافون لتنمية المجتمع، وآخر حملاتها كانت حملة "شكرًا"، وعن هذه الحملة يقول المهندس خالد حجازي، رئيس قسم العلاقات الخارجية بشركة فودافون، إن حملة شكراً ليست لشكر الشركة، ولكنها خاصة بمساعدة المشتركين على شكر من يعتبرونهم قاموا بأشياء إيجابية في حياتهم.

ويؤكد حجازي أن الكود الأخلاقي للشركات لا يقل أهمية عن الكود التوزيعي أو الإنتاجي أو الأرباح لدى الشركة، لافتا النظر إلى أن المبادرات الاجتماعية التي تنتهجها الشركة مثل مبادرات إنشاء المدارس ومحو الأمية وغيرها من المبادرات، جميعها ليست معفاة من الضرائب باستثناء العشر سنوات الأولى فقط من عمر الشركة في مصر التي كانت تشمل إعفاءات ضريبية.

وأشار إلى أن الشركة تبذل قصارى جهدها لوصول تلك الخدمات المجتمعية إلى مستحقيها دون التلاعب أو التحايل عليها؛ لذلك أنشأت الشركة مؤسسة متخصصة يطلق عليها "فودافون لتنميه المجتمع" لتتولى هذه الشركة رعاية الأعمال الخيرية التي تندرج تحت مشروعات المسؤولة الاجتماعية، فضلا عن التنسيق مع الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخيرية العالمية لتنمية هذه المشروعات.

 

مبدأ الشفافية

أما "موبينيل" فأطلقت مبادرة جديدة خلال شهر رمضان المبارك لتأهيل وتوظيف 100 ألف شاب، بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني التي تهتم هى الأخرى بتفعيل مبدأ المشاركة المجتمعية، وهو ما أكده حسان قباني، العضو المنتدب لـ"موبينيل"، الذي يقول إن شركة "موبينيل" أنفقت منذ وجودها بالسوق المصرية أكثر من 40 مليار جنيه مصري لتوفير فرص عمل للشباب المصريين، منها 3 مليارات جنيه خلال عام 2010 (الدولار الأمريكي يساوي 5.96 جنيهات مصرية تقريبا)، مؤكدًا أن هدف الشركة من هذه الحملات الاجتماعية هو المشاركة في تنمية المجتمع المحلي بشكل عام انطلاقا من مبدأ "الشركة المسؤولة مجتمعيًا".

يضيف قباني في بيان صادر عن شركة موبينيل أن الشركة أطلقت مبادرتها لمشروعات المسؤولية الاجتماعية بالتعاون مع كبرى المنظمات الخيرية لتدريب وتأهيل 100 ألف مصـــري ودعمهم من أجل توفير فرص العمل والرزق الكريم لهم ولعائلاتهم بمشاركة خمس جمعيات كبيرة من مؤسسات المجتمع المدني المصري هي "جمعية الأورمان، مؤسسة ابتسامة، المؤسسة التنموية للسيدات المصريات للعمل الحر (أوتاد)، مؤسسة إنجاز-مصر، والمؤسسة التنموية لتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة".

ويوضح قباني أن دور "موبينيل" في المبادرة يتمثل في توفير التمويل اللازم للمنظمات الخيرية المشاركة، بالإضافة إلى الإعلان عن المشروع في مختلف وسائل الإعلام، على أن تقوم كل جمعية من الجمعيات المشاركة في المشروع باستخدام آلياتها ومعايير الاختيار الخاصة بها لانتقاء الأفراد الذين سوف يستفيدون من هذه المبادرة سواء للحصول على التدريب أو التأهيل أو فرص العمل.

 

تأثير مزدوج

من ناحيته يعتبر د.صديق عفيفي أستاذ علم الإدارة أن استخدام الشركات للحملات الإعلانية التي تحمل مضمونًا عن أعمال البر أو التنمية الاجتماعية التي تشارك بها ذات تأثير مزدوج، فهى من ناحية تعود على المجتمع بفائدة كبيرة، حيث تساعد هذه المبادرات ولو بجزء قليل في حل المشكلات المتعلقة بعدد من الملفات الصعبة التي تواجهها الحكومات مثل ملف التعليم والرياضة، ومن ناحية أخرى فإن مثل هذه الحملات التي تندرج تحت بند المسؤولية الاجتماعية تدر بفائدة على الشركة نفسها من خلال ارتفاع تصنيفها عالميًا، واعتبارها شركة ملتزمة بمبادئ الأمم المتحدة العالمية المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية، وهو ما يساعد هذه الشركات على فتح أسواق جديدة.

 

Email