تتربع في قلب بيروت

«صخرة الروشة» تُنير دروب العاشقين... واليائسين

ت + ت - الحجم الطبيعي

هي «صخرة الحبّ» تارة، لحظة ترمق الشمس بيروت بنظرة المساء الأخيرة، تاركة الأحبّة «إتنين إتنين»، تماماً كما كان عليه مشهد الحبّ الذي جمع الفنّان عبد الحليم حافظ والممثلة ناديا لطفي، عند هذه الصخرة، في فيلم «أبي فوق الشجرة»، على وقع أغنية «جانا الهوى جانا.. ورمانا الهوا رمانا».

وهي «صخرة الإنتحار» تارة أخرى، وإن كانت «براء» من كل الحوادث المشؤومة التي كانت، ولا تزال، تتمّ عن حافة الخليج المقابل لها.. وذلك، لأن من يبغي الإنتحار يعوزه مسافة كي يصل إلى الصخرة ويتسلّقها، وهذا شبه مستحيل على من لا يعرف فنون العوْم!

زالدالية» أو «صخرة الروشة».. الإسمان يدلّان على مكان واحد.. الأول يأخذك إلى عالم الميناء البدائية للصيّادين وهي مكتظّة بالقوارب والشِباك.. أما الثاني، فهو لغز بأربعة معانٍ: موقع أثري يستقطب السيّاح لاكتشاف الصخرة والتقاط الصور بالقرب منها، ناحية عزلة ينفرد فيها العشّاق داخل سياراتهم بعيداً عن «حشريّة» الناس، مكان يتبارى فيه السبّاحون بالقفز من أعلى الصخرة إلى البحر ليحصلوا على البطولات والجوائز «كرمال عيون لبنان».. ووسيلة انتحار «مثالية» و«مجانيّة» لليائسين من الحياة، ولو بالتهديد أحياناً، إن بنتيجة انعدام أمل عشيقين في تحقيق أحلامهما الغراميّة فينتحر أحدهما أو كلاهما، أو بسبب إفلاس يؤدّي بصاحبه إلى اختيار الموت!

على أي حال، هي صخرة عنيدة متربّعة في قلب بحر بيروت، من الجهة الغربية، لم يملّ الموج التشظّي على أقدامها منذ آلاف السنين، دون أن تلين لها قناة أو تنحني لها هامة.. تماماً كـ«وجه بحّار قديم» أرسلت إليه المطربة فيروز سلاماً في أغنية «لبيروت» في عزّ أيام الحرب الأهليّة.. اكتسبت اسمها من «الروشة» (تعريب لكلمة la roche الفرنسية التي كان يطلقها الفرنسيون أيام الانتداب على المنطقة التي تطلّ على الصخرة البحرية الكبيرة، والتي كانت تعرف سابقاً بمغارة الحمام أي la grotte au pigeons).. كتلة صخريّة كبيرة مجوّفة في الوسط، تبلغ قمّتها ما يقارب الـ‬45 متراً بمتوسّط إرتفاع ‬25 متراً.. تقاربت أجزاؤها إلى حدّ العشق، ما أحالها معلماً سياحياً، وتشهد عليها صخرة شاهقة مقابلة أكل عليها الدهر وشرب بعوامله قبل أن يترك رأسها مسنّناً.. تكوينها افتراضي، يرجعه علماء الجيولوجيا إلى فترة الزلازل العنيفة التي ضربت بحر بيروت الغربي في القرن الثالث عشر، ما أدّى إلى طمس معالم العديد من الجزر التي كانت مأهولة، في حينه، لتتربّع مكانها صخور كثيرة، ومنها هذه الصخرة.

يقال عنها إنها «برج إيفل اللبناني»، رغم أنه يصعب على اللبنانيين التعايش مع هذا النوع من الأمثلة.. فـ«صخرة الروشة» تقبع وسط البحر، بينما ينطح «برج إيفل» الغيوم برأسه من وسط إحدى الساحات العامة في باريس.. لكن لهذا التشبيه تعليله، فأصدقاء لبنان الأوروبيين حالما ينظرون إلى صورة هذه الصخرة يقولون: «لبنان»!.. وعلى أمل أن تبقى بيروت تتنفّس الحبّ إلى أجل غير مسمّى، فإن «صخرة الحبّ» تنتظر سماع صوت عاشق يقول: «كدت أن أغرق وأموت.. لكنني تذكّرت شيئاً»!

Email