لبنان.. معارك حامية في ميادين القضاء والسياسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يزال المشهد في لبنان تائهاً بين غرق مسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت بالإصرار القضائي من جهة والخطوط الحمْر السياسيّة من جهة أخرى، على غرار غرق ملف تأليف الحكومة بحرب الكتب المفتوحة والردود عليها بين الرئاستين الأولى والثالثة.

لا يزال الداخل منشغلاً بمعركتين متوازيتين، الأولى قضائيّة - سياسيّة، أبطالها المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوّان ومعه السلطة القضائية، يقابلهما جزء من المنظومة السياسية المتمثلة في رئيس الحكومة المستقيل، حسّان دياب، والوزراء الثلاثة السابقين، النواب الحاليين، علي حسن خليل، وغازي زعيتر، ويوسف فنيانوس، والذين لم يمتثلوا للسلطة القضائية، رافضين مقابلة صوّان، الأمر الذي حمل الأخير على تعيين مواعيد جديدة للاستجواب.

وغداة رفْض رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسّان دياب، استقبال المحقّق العدلي، لم يتراجع الأخير، بل حدّد موعداً ثانياً الجمعة، وهو الذي بات بين المطرقة والسندان مطرقة أهالي الضحايا والجرحى والمتضرّرين، الذين ينتظرون كشْف الحقيقة، وسندان الحصانات التي تصعّب مهمّته أكثر فأكثر. ويبدو من التطوّرات المرتبطة به، أنّ هذا الملف دخل حلقة تفاعل لا سقفَ لها، تتداخل فيها الأبعاد السياسية والطائفية، بما يضعه أمام شتى الاحتمالات.

وتردّدت معلومات أنّ الملف بات أمام احتمالين، إما صمود المحقّق العدلي أمام الضغوط ويُكمل مهمته حتى النهاية، أو التنحّي، ما يبرز عقدة تعيين البديل، ما قد يُطلق حركة مطالبات حثيثة لتشكيل لجنة تحقيق دولية ، الأمر الذي إن تحقّق فسيحرج كامل الطبقة السياسية، فيما لن يجرؤ أيّ منها على الاعتراض، فيما سيضع من يعترض نفسه في قفص الاتهام.

وتعتبر المعركة الثانية، سياسية - حكومية، بطلاها المعنيّان المباشران بعملية تأليف الحكومة، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري، في ضوء السجال المباشر بينهما من بوابة الصلاحيات الدستورية.

وارتفع منسوب التوقّعات باشتداد قرْع الطبول واستثارة العصبيات الطائفيّة والمذهبيّة بين ‏أهل الحكم، هرباً من ضريبة الإصلاح، سواء في السلطة التنفيذية، عبر عرقلة تأليف حكومة المهمّة، أو في السلطة القضائية، ‏حيث لا يزال المحقّق العدلي مصرّاً على صلاحيته في الادعاء على رئيس حكومة ‏تصريف الأعمال والوزراء الثلاثة السابقين.

‎صدام مباشر

بذلك، انتقلت الأزمة الحكومية إلى مرحلة متقدمة من الصدام المباشر بين الرئاستين الأولى والثالثة، على خلفية تراشق المسؤوليات في مسبّبات ‏تعطيل ولادة الحكومة: الرئيس المكلّف رمى كرة التعطيل في ملعب رئاسة الجمهوريّة، موضحاً أنّه يريد حكومة اختصاصيّين لوقف الانهيار، في ضوء مطالبة رئيس الجمهورية بحكومة تتمثل فيها كل الأحزاب، الأمر الذي سيؤدّي حتماً إلى الإمساك بمفاصل القرار فيها، وتكرار تجارب حكومات عدّة تحكّمت فيها عوامل المحاصصة والتجاذب السياسي.

معركة صلاحيات

ارتفع منسوب الكلام عن أنّ الحريري بصدد مغادرة البقعة الرماديّة في مجابهة الإشكالية الحكوميّة، إذ قرر وعلى ما يبدو التصدّي لمحاولة الاستيلاء على صلاحيات رئاسة الحكومة، وسط توقعات مصادر مطلعة، بأن تشهد الأيام المقبلة مزيداً من دخول الأسلحة الثقيلة على أرض معركة الصلاحيات بين الرئاستين الأولى والثالثة، لتكون النتيجة أن لا حكومة في الأفق.
 

Email