حكومة لبنان القديمة الجديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد ينجح سعد الحريري المكلّف تشكيل حكومة جديدة في لبنان، في مهمته في وقت قياسي، إذ لا تحدد القوانين اللبنانية سقفاً زمنياً لتشكيل الحكومات.

وإذ يتزامن التشكيل مع الذكرى المئوية لتأسيس «لبنان الكبير»، والسنوية الأولى على حراك الشارع الذي بدأ في 17 أكتوبر 2019، يبقى السؤال ماثلاً: هل سينطوي التشكيل الحريري على جديد نوعي فعلاً يلبي طموح القائلين بحكومة اختصاصيين لا حزبيين؟

وثمة تساؤل يطرحه مراقبون: ما الجديد الذي طرأ على الظروف التي دفعت الحريري للاستقالة لكي يعود للتشكيل مجدداً؟ ربما تجيب ظروف التشكيل ومواصفاته وطبيعة الحكومة بعد ولادتها عن هذا التساؤل.

العارفون بشأن لبنان يدركون أن العثور على لبناني غير حزبي أصعب عملياً من تشكيل حكومة. لبنان بلد تشكّل الأفراد فيه على الانتماء للطائفة أو الحزب أو كليهما معاً، ومن دون أن يعني هذا بالضرورة عدم الانتماء للبنان. ولكن ما الفرق بين وزير منتمٍ لحزب ووزير يسميه الحزب لأنه على هواه؟

دولة المواطنة

وحتى أولئك الذين يؤمنون بدولة المواطنة يقولون إنهم لا يستطيعون ترجمة هذا التوجه على نحو فردي أو من طرف واحد، أي أن هذا يجب أن يكون توجّهاً جماعياً ينبغي أن يتأسس له من المنزل والمدرسة والمؤسسة والشارع، وفي وقت كافٍ لتحقيق تغيير بنيوي، يفضي في النهاية إلى آليات جديدة وقانون انتخابات قائم على المواطنة وليس المحاصصة.

المشهد الحالي يؤكد ما ذهبنا إليه، فالتقارير الإعلامية تقول إن مواصفات التشكيل الذي يعمل الحريري عليه لا تخرج عن المألوف، وإن الحديث عن وزراء اختصاصيين ليس سوى تخريجة شكلية، إذ إن هؤلاء الوزراء ستختارهم طوائفهم على ألا تكون الأسماء «مستفزّة لأحد».

وهذه صيغة فضفاضة ولا تمثّل تغييراً نوعياً يستجيب لتطلعات الشارع، فضلاً عن اشتراطات الجهات الدولية التي تريد لبنان على نحو يسمح بـ«مساعدته» في ظل الصعوبات الخانقة التي يمر بها، من حيث تزايد الدين العام وانهيار العملة، فضلاً عن تداعيات جائحة كورونا.

القديم الجديد

وإذا صحّت التقارير التي ترجّح أن يكون توزيع الحقائب على الطوائف وليس على القوى السياسية، فضلاً عن «الشارع»، وإذا تأكد أن بعض الوزارات آلت إلى محتكريها طائفياً، فإن حكومة لبنان «الجديدة» لن تكون جديدة، وأن لبنان لن يكون قريباً من عنق الزجاجة، ما لم يكن ما يتوصّل إليه الحريري متفاهماً عليه مع فرنسا التي وضع رئيسها ماكرون مبادرته في ملعب القوى السياسية اللبنانية في زيارتين قام بهما في الأسبوع الذي تلا انفجار مرفأ بيروت. هذا يعني بالضرورة أن مفاعيل الانفجار ما زالت قائمة، كما الكم الكبير من الأنقاض.

Email