تقارير «البيان»

لبنان.. الترسيم الحدودي يلتهم المبادرة الفرنسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يزال وهْج الترسيم الحدودي مع إسرائيل يطغى على شريط الأحداث الداخليّة، مع ما يعنيه من إمكانيّة استفادة لبنان، وبحريّة كاملة، من ثرواته الغازيّة والنفطيّة الكامنة في النقاط المتنازَع عليها في البحر بين لبنان وإسرائيل، في حين تصاعدت موجة انتقادات لاذعة، بل مشكّكة، في موقف ما يسمى «تحالف الممانعة»، ولاسيّما منه عموده الفقري «حزب الله»، بسب مزايداته المتكررة من التفاوض مع إسرائيل، مع ما يعنيه من شراء الوقت تجنّباً لسيْف العقوبات الأمريكيّة، تماماً كما تمّ التعاطي مع مهمّة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تجنّباً لسقوط لبنان في منظومة الدول الفاشلة.

وتصدّر ملفّ الترسيم الحدودي الواجهة على حساب «الترسيم الحكومي» الذي دخل على ما يبدو في غيبوبة طويلة، بفعْل انكفاء الأطراف السياسيّة المعنيّة إلى خلف المشهد، في ما بدا أنّه يشبه انتظاراً لتطوّرات ما. وفي غياب حركة المبادرة الفرنسيّة، بعدما «التهمها» حدث الترسيم برعاية أمريكيّة، يبدو أنّ المشهد الداخلي سيبقى مضبوطاً على إيقاع اتفاق إطار مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، أقلّه إلى موعد انطلاق هذه المفاوضات، في 14 الجاري، والتي يعوّل عليها لبنان في تأكيد سيادته على حدوده البحريّة والبريّة.

وتبدو الفرصة اللبنانيّة مواتية للاستثمار على هذا الحدث المتمثل باتفاق الإطار، وما له من أبعاد أمميّة وأمريكيّة. أمّا في التفاصيل، فقد ارتفع منسوب الكلام عن أنّ حزب الله، ومن ورائه إيران، يفضّل التفاوض مع أمريكا لا مع فرنسا، ويفضّل أن يتنازل عندما يحين أوان التنازل لأمريكا لا لفرنسا، لأنّ التنازل لأمريكا له ثمنه، أمّا التنازل لفرنسا فيذهب هباءً، على حد تعبير اوساط مطلعة على نوايا الثنائي المعطل.

ولعلّ هذا ما يفسّر كيف أنّ المبادرة الفرنسية، في ما يخصّ الملفّ الحكومي، «نائمة» حتى إشعار آخر.

وفي انتظار بدء مفاوضات الترسيم في مقرّ «اليونيفيل» في منطقة الناقورة الحدوديّة، فإنّ الرئيس اللبناني ميشال عون سيتولّى التفاوض وفقاً لأحكام المادة 52 من الدستور، بدءاً من تأليف الوفد اللبناني المفاوِض، ووصولاً إلى مواكبة مراحل التفاوض.

هدية استثنائية

وفي الانتظار، ضجّ الداخل بالقراءات المتعلّقة بهذا الحدث، والتي أجمع بعضها على اعتبار أنّ حزب الله، ومن ورائه حركة أمل، انتزع تنويهاً أمريكيّاً ودوليّاً من باب الترسيم، بعدما اصطدم بالفرنسي من الباب الحكومي. وبهذا المعنى، فإنّ ما خسره الحزب مع ماكرون يحاول تعويضه بقبول التفاوض على ترسيم الحدود.

وعلى وقْع انضواء حزب الله تحت راية التفاوض، أشارت مصادر سياسيّة متابعة لـ«البيان» إلى أنّ حزب الله أراد من وراء هذه الخطوة تنفيس الاحتقان الخارجي ضدّه، مع ما يعنيه من فرْملة الحصار والعقوبات، وذلك بالإضافة إلى توجيه رسالة مفادها أنّه على استعداد للتفاوض والدخول على خطّ الهندسة التي تعمل عليها واشنطن في المنطقة، من أجل ربْط النزاع مع مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكيّة.

كما لفتت المصادر إلى أنّ حزب الله وقّع بالاسم الكامل، وليس بالأحرف الأولى، على موافقته بشأن المفاوضات، وإلا لما كان حليفه التوأم المفاوِض، أي رئيس البرلمان نبيه برّي، أعلن بنفسه الاتفاق الإطاري، وذلك في رسالة طمأنة للغرب، ولا سيّما لأمريكا، بأنّ الثنائي المعطل للمبادرة الفرنسية موافق على الترسيم.

وخلصت المصادر إلى أنّ هذا التطوّر لا ينفصل عمّا لمّح إليه الأمريكيّون أنفسهم، أي ترسيخ الاستقرار المتبادَل، وتالياً السعي إلى توظيف الثروات الغازيّة والنفطيّة بما يعزّز «الستاتيكو» السلمي ويبعِد شبح الحرب. وهذا يعني، وفق القراءات المتعدّدة، أنّ ثمّة تقاطع مصالح أمريكيّة وإسرائيليّة ولبنانيّة على توقيت انطلاق المفاوضات، كلّ من زاويته.

Email