محكمة الحريري لبنان يتأرجح على حبال الحُكْم الدولي

تمثال لرفيق الحريري في موقع انفجار موكبه عام 2005 ببيروت | إي.بي.إيه

ت + ت - الحجم الطبيعي

غداة قول المحكمة الدوليّة الخاصّة بلبنان كلمتها في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، مُدينةً أحد عناصر «حزب الله» سليم عياش بارتكابها، ‏ومبرّئةً ثلاثة منها، لفّ الوضع السياسي والأمني هدوء لافت، خلافاً لما كان قد أثير من مخاوف من حصول ‏ردود فعل سلبيّة في الشارع إثر صدور هذا الحكم، في حين لا تزال الأنظار متّجهة إلى وقْع القرار على الحياة السياسيّة في لبنان.

وفي جرْدة حساب سريعة، نطقت المحكمة بحكمها النهائي بعد 15 عاماً على تأليفها، وما رافقها من جدل سياسي، محلياً وإقليمياً ودولياً، فيما اتّسم موقف الرئيس سعد الحريري من الحكم بأهمية مزدوجة: من جهة تبنّى الحكم وأعلن ‏قبوله واضعاً حدّاً فورياً للشكوك، ومن جهة مقابلة أدرج الحكم في ‏الخانة الموضوعيّة المطلقة التي جعلته الأوّل من نوعه في تاريخ الاغتيالات، وانطلق منه ليسلّط الضوء على ‏مسؤولية «حزب الله» في تسليم المُدان في صفوفه.

أمّا في الخلاصات، فإنّ مَن كان مؤيّداً للمحكمة الدولية انتظر منها أن تسمّي أكثر، ومَن كان يرفضها كان استبق حكمها وقال إنّ الحكم لا يعنيه، في حين لن يعود أحد إلى الصفحات الـ2600 التي استغرقها الحكم، ولا إلى الـ15 سنة التي استغرقتها التحقيقات، ولا إلى الـ700 مليون دولار كلفة المحكمة، ولا إلى ما يزيد على 400 قاضٍ مرّوا عليها، ولا إلى أنّها حاكمت أشخاصاً غيابيّاً. وإذ سيُقال الكثير عن المحكمة والحكم، لكنّ الأهم من ذلك، ما بعد الحكم، ووقعه على البلد.

قراءات متعددة

وفي انتظار تداعيات هذا الحكم، لجهة تلقّفه من قبل الشارع اللبناني أولاً والقوى السياسيّة المنقسمة أصلاً حول المحكمة الدوليّة ثانياً، ومقاربته من قبل الأطراف المعنيّين، وعلى وجه الخصوص البيئة الحريريّة، السياسيّة والعائليّة، لا يزال يسود الوضع العام في لبنان حال من الترقّب الهادئ والحذِر في آن واحد، وخصوصاً أنّ يوم أمس الأول شكّل نقطة فاصلة بين مرحلة امتدّت 15 عاماً من التحقيقات والبحث عن القتلة، ومرحلة جديدة من الصعب التكهّن مسبقاً بالوقائع التي قد تتدحرج فيها. علماً ‏أنّ أجواء ما قبل صدور الحكم كانت عابقة بسيناريوهات سلبيّة، وخلاصتها أنّ الحكم ستترتّب عليه ‏تداعيات تهزّ لبنان، ليس أقلّها تضييق الخناق على «حزب الله».

وفي القراءات المتعدّدة، فإنّ ما شهده لبنان، خلال الساعات الماضية، من أجواء هادئة، لا سيّما من جمهور تيار «المستقبل» ومناصري الرئيس الحريري، يؤشّر إلى الآتي من المراحل، على مسارات عدّة، أبرزها وأوّلها العمل لتأليف حكومة جديدة، في حين ذهبت أوساط مراقبة إلى حدّ القول إنّ صفحة المحكمة الدوليّة «طوِيت»، لتُفتح غداً صفحة جديدة من صفحات لبنان الواحد، والدولة الموعودة.

الجريمة والعقاب

وحسب تأكيد مصادر سياسيّة لـ«البيان»، فإنّ الكرة باتت في ملعب «حزب الله»، وما عليه سوى ملاقاة الحريري، عبر أمرين: عدم القنْص على قرار المحكمة أولاً، والتجاوب مع شروط الحريري الحكوميّة ثانياً، بما فيه مصلحة لبنان، بعيداً من مصلحة المحور وإيران.

وفي القراءات أيضاً، فإنّ الحكم الذي لفظته المحكمة الخاصّة بلبنان أقام جداراً فاصلاً بين عصْر الإفلات من العقاب وفجْر عصر المحاسبة والعقاب المشروع، بما يفتح الباب على الغارب ‏أمام الآمال المعلّقة على استكمال سلسلة المحاكمات في القضايا المترابطة. أمّا «حزب الله»، الذي شكّك بالحكم سلفاً، من بوّابة عدم اعترافه بالمحكمة أصلاً، فبات في عيْن العاصفة القضائيّة ‏الدوليّة، كما في عيْن عواصف أخرى. ذلك أنّ المحكمة أرست قاعدة جديدة تقوم على الآتي: لا جريمة من دون مجرم، ولا مجرم من دون عقاب.

Email