الاستقالة لا تكفي الشارع اللبناني يصوّب على الطبقة السياسية كاملة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال لبنانيون غاضبون، إن استقالة الحكومة لا تعني شيئاً أمام هول مأساة انفجار بيروت التي وقعت الأسبوع الماضي، وطالبوا بإزاحة ما يصفونها بطبقة حاكمة فاسدة مسؤولة عن متاعب البلاد.

ومن المقرر تنظيم احتجاج يرفع شعار «دفن السلطة أولاً» بالقرب من المرفأ المدمّر. وجاء في دعوة للاحتجاج نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي «ما خلصت (لم تنته الأزمة) باستقالة الحكومة، بعد في (ما زال هناك الرئيس ميشال) عون، (نبيه) بري (رئيس مجلس النواب)، وكل المنظومة».

وبالنسبة لكثير من اللبنانيين كان الانفجار القشة الأخيرة في أزمة طال أمدها وسط الاقتصاد المنهار والفساد والنفايات والحكومة العاجزة.

ويعكس انفجار بيروت النظام الطائفي الذي يهيمن من خلاله نفس السياسيين على البلاد منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها من عام 1975 إلى عام 1990. فكل طائفة لها حصتها من المديرين بالمرفأ الذي تمر منه أغلب تجارة البلاد.

وقال صانع الفضة أفيديس أنسرليان لوكالة رويترز أمام متجره المهدّم: «شيء طيب أن الحكومة استقالت. لكننا بحاجة إلى دماء جديدة وإلا لن تكون هناك نتيجة».

وبعد أسبوع من الانفجار مازال سكان بيروت يرفعون الأنقاض في الوقت الذي استمر البحث عن المفقودين الذين تقدر أعدادهم بما بين 30 و40 شخصاً.

وقال مسؤولون، إن الانفجار ربما تسبب في خسائر تصل إلى 15 مليار دولار وهي فاتورة لا يمكن للبنان دفعها.

وتفقد إحسان مقداد، وهو مقاول، مبنى مهدماً في منطقة الجميزة التي تبعد مئات قليلة من الأمتار عن المرفأ. وقال: «كما قال رئيس الوزراء الفساد أكبر من الدولة. كلهم مجموعة من المحتالين. لم أرَ عضواً واحداً في مجلس النواب زار هذه المنطقة. كان ينبغي على النواب أن يأتوا إلى هنا بأعداد كبيرة لرفع المعنويات».

ما بعد الاستقالة

ويتعين أن يتشاور عون مع الكتل البرلمانية حول من سيقع عليه الاختيار ليكون رئيس الوزراء الجديد، وهو ملزم بتكليف المرشح الذي ينال القدر الأكبر من التأييد.

وكان تشكيل حكومة في ظل الانقسامات الطائفية مهمّة شاقة في السابق. والآن مع تزايد الغضب الشعبي والأزمة المالية الطاحنة، فقد يكون من الصعب إيجاد من يقبل أن يكون رئيساً للوزراء.

وغداة استقالة حكومة دياب، بعد ستّة أشهر على تأليفها، على أن تستمرّ في تصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة، وفيما لا تزال بيروت تلملم جراح الزلزال الكارثي الذي ضرب مرفأها في 4 من الجاري، والتحقيق ماضٍ في الجريمة التي ‏أحيلت على المجلس العدلي، ارتفع منسوب التساؤلات عن مرحلة ما بعد استقالة الحكومة، وعن هويّة بديل رئيس الحكومة، وما إذا ‏كان هذا البديل جاهزاً، ما يعني تشكيلاً سريعاً لحكومة جديدة، أو ليس جاهزاً، وهذا معناه السقوط في أزمة ‏البحث عن البديل وفي الفراغ الحكومي الذي قد يكون طويلاً.

ومن غير المؤكّد بعد المسار الذي يمكن أن يسلكه التكليف والتأليف، خصوصاً مع ارتفاع منسوب مطالبة البعض بالذهاب نحو حكومة تحظى بموافقة القوى السياسيّة على اختلافها، في مقابل التخلّي عن طرْح الانتخابات النيابيّة المبكرة، وتالياً الانتخابات الرئاسيّة المبكرة.

شريك فعلي

ووفق قول مصادر سياسيّة معارضة لـ«البيان»، فإنّ ثمّة شريكاً فعلياً للكتل الرئيسيّة المعنية بالتكليف والتأليف، هو الشارع الغاضب الذي أضحى في صلْب معادلة الاستقرار والفوضى، وهذا الشريك لن يرضى بأقلّ من تنحّي الطبقة السياسية بكاملها التي تتحكّم بالبلاد منذ عقود‎، وبتسمية رئيس من خارجها، يشكّل حكومة قادرة على الاضطلاع بمهمّة انتشال لبنان من الحفرة التي هو فيها من جهة، وعلى التواصل مع الشرق والغرب من جهة ثانية، كما لا بدّ لهذه الحكومة أن تعمل على التحضير لانتخابات نيابية مبكرة، وعلى محاسبة كلّ من سرق أموال اللبنانيّين، بعد أن تُفتح الأبواب أمام تحقيق دولي في جريمة المرفأ.

وهذا المشهد يؤشّر، وفق تأكيد مصادر سياسيّة لـ«البيان»، إلى أنّ البلاد تسير في خطى متسارعة، إمّا نحو تسوية ما ‏أو مزيد من التأزّم، سيما وأنّ الأمور لن تقف عند حدود تغيير ‏حكومة، بل ستتخطّاها ربّما إلى تقاطع كلّ التناقضات الداخلية والخارجية، ومعها كلّ المغامرات والرهانات، لتصل إلى نتيجة من اثنتين: إمّا إعادة ترميم المنظومة الحاكمة برعاية دوليّة مباشرة هذه المرّة، بما يشمل إصلاحات مفروضة من الخارج، وإمّا الذهاب نحو الفوضى الشاملة.

عودة الحريري

وفي انتظار الاستشارات النيابيّة الملزِمة، لتسمية رئيس الحكومة المقبلة، تردّدت معلومات مفادها أنّ اسم سعد الحريري، المقبول عربياً ودولياً، هو الأكثر ترجيحاً، إلّا أنّ الأمر غير محسوم ‏بصورة نهائية، وهو يحتاج إلى مشاورات جديّة، خصوصاً أنّ للحريري شروطاً معيّنة سبق أن أعلنها قبل تشكيل حكومة دياب.

وتجدر الإشارة إلى أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ‏خسر عملياً، باستقالة الحكومة «خطّ الدفاع» الحكومي ‏عنه، فبات عهده أشبه بـ«عهد تصريف الأعمال». وبالتالي لم يعد أمامه سوى محاولة السعي إلى تحسين شروطه على طاولة المشاورات والاستشارات لتشكيل الحكومة الجديدة، وذلك لضمان استكمال ولايته وتأمين خروج لائق له في نهايتها.

Email