سد النهضة.. سيناريوهات ما بعد لجوء مصر إلى مجلس الأمن

ت + ت - الحجم الطبيعي

وضعت القاهرة المجتمع الدولي أمام مسؤولياته بشأن مسألة سد النهضة، وألقت الكرة في ملعب الأمم المتحدة ومجلس الأمن، من أجل القيام بدور فاعل للتدخل وتحمل المسؤولية لـ«تجنب أي شكل من أشكال التوتر، وحفظ السلم والأمن الدوليين»، طبقاً لما جاء في بيان صادر عن الخارجية المصرية الليلة الماضية.

تقدم مصر بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن - استناداً إلى المادة 35 من الميثاق - يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، ويمكن أن يعطي لمصر السند الشرعي للجوء إلى «آليات عديدة» أو «سيناريوهات أخرى»؛ للدفاع عن حقوقها المائية، بعد أن طرقت كل الأبواب الرسمية التي حددها ميثاق منظمة الأمم المتحدة.

ويبدو أن مصر تسعى إلى استصدار إما «توصيات» من مجلس الأمن ـ تحت الفصل السادس ـ يعزز موقفها «دولياً» وتستطيع التحرك بناءً عليه، والاستناد إليه في السيناريوهات والخيارات القادمة التي يمكن للقاهرة اللجوء إليها، أو استصدار «قرار ملزم» ضمن الفصل السابع.

ويؤكد أستاذ القانون الدولي عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للقانون الدولي، الدكتور مساعد عبدالعاطي، ذلك بقوله: «إن مجلس الأمن يستطيع - تحت الفصل السادس - تقديم توصيات، (صحيح أنها غير ملزمة) ولكنّ تلك التوصيات لها قيمة أدبية، مع العرض القانوني ومجريات الملف تكون نقطة قوة لمصلحة مصر التي تستطيع التحرك بناءً عليها من خلال وضع إثيوبيا موضع الدولة غير الملتزمة بالقانون الدولي».

  • مصدر رئيس

ويشير - في تصريحات لـ«البيان» - إلى أن التوصيات التي تصدر عن مجلس الأمن، يجب أن تكون واضحة ومحددة بعدم التصرف الانفرادي من خلال الملء الأول، وهنا «إذا رفضت إثيوبيا تنفيذ التوصية ولم يتحرك بعد ذلك مجلس الأمن تحت البند السابع (في ظل تعريض الأمن والسلم للخطر)، فإن مصر تملك الآليات العديدة للدفاع عن حقوقها المائية؛ لأنها بذلك تكون قد طرقت كل الأبواب الرسمية التي حددها ميثاق الأمم المتحدة لتسوية المنازعات الدولية، مع الوضع في الاعتبار أن المصدر الرئيس للمياه في مصر من نهر النيل من الهضبة الإثيوبية، ويشكل السد تهديداً لهذا المصدر».

ويرى مراقبون أنه إن كانت ثمة تحديات تواجه حسم الأزمة من خلال «المسار القانوني» أو التحكيم الدولي «بشكل مباشر»، باعتبار أن سيناريو اللجوء إلى «محكمة العدل» يتطلب موافقة جميع الأطراف، فإن اللجوء لمجلس الأمن والتمسك بهذا المسار من الجانب المصري إنما هو رسالة هدفها التأكيد على سلوك القاهرة السبل القانونية كافة المنصوص عليها بميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يفترض أنه يقوي الموقف المصري الحريص على «التفاوض» والحلول السلمية والتفاهمات طيلة العقد الماضي.

وفي تصريحات خاصة لـ«البيان»، يقول أستاذ القانون الدولي العام بجامعة القاهرة، د. محمد شوقي، إن «اللجوء إلى محكمة العدل الدولية هو أمر غير وارد، نظراً لأن اللجوء للمحكمة يتطلب قبول جميع الأطراف، والطرف الإثيوبي غالباً لن يقبل، وقد عرض ذلك الأمر أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة، ووجه برفض إثيوبي».

  • حالة وحيدة

الحالة الوحيدة التي يمكن فيها اللجوء للمحكمة، وفق شوقي، هي من خلال مجلس الأمن بعد أن تقدمت مصر بشكوى رسمية إليه أخيراً، وفي هذه الحالة يطلب المجلس رأياً «استشارياً» بخصوص تلك الأزمة، وفي هذه الحالة يكون رأي المحكمة «ليس ملزماً من الناحية القانونية»، على أساس أن الحكم الملزم يكون من خلال موافقة جميع الأطراف على اللجوء للتحكيم.

ويشير أستاذ القانون الدولي، في معرض حديثه مع «البيان» عن المحددات القانونية من الناحية النظرية، إلى الأدوات التي يملكها مجلس الأمن في تلك الحالة، مؤكداً أنه من الناحية النظرية؛ فإن مجلس الأمن يملك كل شيء.. فبعد شكوى مصر التي لفتت فيها إلى وجود تهديد للسلم والأمن الدوليين. يستطيع المجلس - وفق شوقي - أن يبحث الموضوع ويقرر بنفسه، وهو أمام طريقين؛ الأول هو التعامل مع المسألة تحت الفصل السابع من الميثاق، فيقرر ما يراه حتى استخدام القوة العسكرية، وهذا أمر «مستبعد»؛ نظراً لأن الدول الكبرى (التي تملك حق الفيتو) ليست لديها مصلحة ولن تتأثر بالقضية غالباً، علاوة على أن المسألة تخضع لتجاذبات سياسية ويمكن أن يتم استخدام حق النقض من أي من الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، لمصلحة إثيوبيا، هذا إن درس مجلس الأمن فعلياً الأزمة وتوصل إلى أن هناك ما يهدد الأمن والسلم الدوليين.

والمسار الثاني، هو التعامل مع المسألة وفق الفصل السادس، الذي يعطي للمجلس الحق في إصدار «توصيات» مثله مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيوصي الأطراف باللجوء إلى محكمة العدل الدولية، أو العودة لطاولة المفاوضات لحل الأزمة، أو اللجوء لمجلس السلم والأمن الأفريقي، وغير من «التوصيات» التي هي بطبيعة الحال غير ملزمة لأي من الأطراف. ويرجح شوقي أن يكون المسار الثاني هو المرشح في الفترة الحالية، بحيث ينظر المجلس أزمة سد النهضة وفق الفصل السادس، الذي يوصي من خلاله المجلس بما يراه ملائماً لحل النزاع.

Email