الإرهاب البيولوجي.. حلم التنظيمات المتطرفة على مر العصور

ت + ت - الحجم الطبيعي

في العام 2008 قُتل أحد أبرز عناصر تنظيم القاعدة، في غارة أمريكية بواسطة طائرة بدون طيار في باكستان.. لم يكن هذا القيادي عادياً من حيث المَهام التي أوكلت له من قبل التنظيم؛ فقد كان يمثل نمطاً مختلفاً من الإرهاب، عادة ما كان يمثل حلماً للتنظيمات المتطرفة دائمة السعي لاتبّاع استراتيجيات جديدة لتنفيذ هجماتها على مر العصور، ومنها «الهجمات البيولوجية»، باعتبارها تسفر عن نتائج أكبر وأخطر من الهجمات التقليدية.

مدحت مرسي السيد عمر، أو أبو خباب المصري، الشهير بـ «كيميائي القاعدة» كان يمثل الرجل الثالث بالتنظيم، وسعى التنظيم من خلاله لتصنيع أسلحة كيميائية، وعُدَّ مسؤولاً عن تدريب شباب القاعدة في حينها على صناعة المتفجرات، ومسؤولاً عن برنامج التنظيم للحصول على السموم وأسلحة الدمار الشامل.

الاعتماد على أساليب الحرب البيولوجية، هو حلم دائم للتنظيمات المتطرفة على مر العصور، لاسيما بداية من تنظيم الجهاد في مصر وحتى تنظيم داعش الإرهابي، الذي سعى لتصنيع وامتلاك تلك الأسلحة البيولوجية، وكذلك - بتحليل خطابه حالياً - يظهر اتجاهه لمحاولة عدم تفويت فرصة ما كشفته جائحة كورونا من عوامل ضعف المجتمعات الحديثة في مواجهة الفيروسات.

الخبير في شؤون الحركات المتشددة واﻹرهاب الدولي، منير أديب، ‏يقول لـ «البيان»، إن ثمة «محاولات كثيرة لإنتاج أسلحة بيولوجية من قبل التنظيمات المتطرفة، من بينها محاولات للحصول أيضاً على أسلحة نووية.. حدث ذلك بداية من تنظيم متشدد في مصر.. وحكى لي أعضاء القيادات في التنظيم أنهم عندما انضموا للقاعدة كانت هناك محاولات للقاعدة للحصول على النووي؛ نظراً لأن تأثيره أكبر وعند استخدامه قد لا تتمكن أجهزة الأمن من الوصول إلى القائمين على الهجمات.. وقد استغل تنظيم القاعدة في ذلك بعض المصريين ممن انضموا إليه ربما في مطلع التسعينات».

تكررت هذه المحاولات من خلال تنظيم داعش، وأخيراً بعد تفشي كورونا بدأ العقل المتطرف يتجه لناحية استغلال الفيروسات والأوبئة والحرب البيولوجية في مواجهة من يعتبرونهم خصوماً، لاسيما في ظل الفشل في مواجهة الفيروس، سواء بشكل صحي من خلال إيجاد لقاح مناسب أو حتى الوقوف أمام تأثيره الاقتصادي والسياسي، ومن هنا بدأ التفكير في إيجاد «حرب بيو إرهابية»، وهي فكرة واردة بصورة كبيرة.

ويشير أديب إلى تسجيل بثه التنظيم قبل أيام، للناطق باسمه أبو حمزة القرشي، يعلق على فيروس كورونا وأن استخدامه وتطويره يمثل استراتيجية خاصة؛ من أجل تأثير أكبر في مواجهة من يصفونهم بـ «الأعداء والطواغيت».

ويلفت خبير الإرهاب الدولي إلى أن «كل المفردات التي خرجت عن التنظيم بعد الفيروس، يمكن تحليلها لجهة اتجاهه لتطوير سلاح الأوبئة ونشرها، خاصة أن فكرة تخليق الفيروسات أمر صعب لكنه ليس مستحيلاً».

تصنيع الأسلحة الكيميائية واعتماد أساليب الحرب البيولوجية نهج لم يغب عن التنظيمات المتطرفة التي عادة ما تفكر في استراتيجيات مختلفة تحقق لها أهدافها بشكل أسرع، ولعل هذا ما دفع المجلس الأوروبي، إلى دق ناقوس الخطر بشأن إمكانية لجوء التنظيمات المتطرفة مستقبلاً إلى اتباع أساليب الإرهاب البيولوجي، وتحديداً من خلال نشر الفيروسات، بعد ما أظهرته جائحة كوفيد 19 من ضعف المجتمعات الحديثة أمام تلك الأنماط من المخاطر المُدمرة.

تنظيم داعش الإرهابي، تلاحقه أيضاً اتهامات باستخدام الأسلحة الكيماوية، وتعد اعترافات القيادي البارز بالتنظيم عبدالناصر قرداش، بشأن تمكن التنظيم من تصنيع غاز الخردل السام في العراق وفشله في تخزينه، مؤشراً يؤكد على أن تلك الأسلحة ليست ببعيدة عن مخططات التنظيمات المتطرفة وحاضرة بقوة ضمن استراتيجياتهم، وقد تعززها جائحة كورونا الكاشفة.

ومن ثمّ، فإن التحدي الأكبر خلال الفترة المقبلة سيكون «الحرب البيو إرهابية» بما يستلزم توحداً دولياً ورقابة أكبر.

وبالعودة لحديث أديب، فإن فكرة نجاح التنظيم الإرهابي في التوسع في ذلك الاتجاه واردة جداً، لاسيما أنه تنظيم عابر للقارات ولديه إمكانات مختلفة، فضلاً عن صلاته بشكل أو بآخر بأنظمة استخبارات عالمية من مصلحتها توظيفه وبقائه في المنطقة.

هذا ما يؤكده لـ «البيان» أيضاً الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، خالد الزعفراني، والذي يلفت إلى أن تنظيم داعش حاول التوسع في تصنيع الأسلحة الكيماوية والغازات السامة خلال فترات سيطرته السابقة، مستغلاً عدداً من المختصين الكيميائيين المنتمين للتنظيم وبعض الأدوات والمعدات التي نجح في السطو عليها أثناء فترات سيطرته في سوريا والعراق، لكنّ انهياره أفشل الكثير من الاستراتيجيات التي كان يخطط لها التنظيم، وهذا لا يعني أنه قد لا يعاود التفكير فعلياً في تبني تلك المخططات في ضوء ما أظهرته الأزمة الراهنة، ومع اعتبار أن الأسلحة البيولوجية المختلفة هي دائماً محط أنظار تلك التنظيمات لتحقيق خسائر أكبر للدول والمجتمعات المستهدفة.

ووفق الزعفراني، فإن نجاح تلك المحاولات أمر وارد، خاصة مع ما أظهرته الجائحة من عوامل ضعف في المواجهة، ومن ثمّ فلن تفوت التنظيمات المتطرفة مثل تلك الفرصة لمحاولة الاستفادة منها بشكل أو بآخر.

جائحة كوفيد 19، كشفت عن مدى قدرة الفيروسات على إحداث خلل واضطرابات كبيرة بالمجتمعات، ومن ثمّ «لا يوجد ثمة اعتقاد بأن التنظيمات الإرهابية سوف تضيع فرصة أو درساً كذلك» وفق خبراء بالمركز القومي لمعلومات التكنولوجيا البيولوجية الأمريكي NCBI، في تقرير حديث لهم منشور عبر الموقع الإلكتروني للمجلس الأوروبي، ذكر أن تلك التنظيمات بدأت فعلياً في استخدام هذه الأسلحة الفيروسية التي تثبت «فاعلية عالية أكبر من الهجمات التقليدية».

Email