قصة خبرية

مجد.. جامعي يفتح نافذة الأمل على الزراعة في لبنان

مجد والتوجه للزراعة | البيان

ت + ت - الحجم الطبيعي

في خضمّ تواريخ كثيرة، باتت تؤطّر حياة اللبنانيّ، وتهدّد كلّ ما عرفه قبلها، وفتحت الآفاق على مجهول مخيف، وشرّعت كلّ التساؤلات، بدءاً من «ثورة أكتوبر» وبعدها، مروراً بانهيار المصارف وبعده، ووصولاً إلى وباء «كورونا» وبعده، وفيما بات الكثيرون يبحثون عن جرعة أمان تقيهم سواد القادم من الأيام، وجد الشاب الجامعي مجد، في الزراعة، ملاذاً آمناً، ونافذة مفتوحة على الأمل، فتغيّرت نظرته إليها، وتبدّلت علاقته بها.

هي جائحة «كورونا»، أعادت المجد للحياة في القرى والبلدات اللبنانيّة، التي لطالما كانت تُعتبر «منفى» في التصوّرات الجماعية الحديثة المتمدّنة، أو المدينيّة، وفرضت حالاً من المراجعة الذاتيّة لخيارات ومعتقدات عدّة، وإيقاع حياةٍ، ربما يعتاده الناس ويحبّونه ويستمرّون فيه. ومنهم مجد (27 عاماً)، الذي أجبرته هذه الجائحة، على العودة إلى قريته البقاعيّة، بعدما كان اعتاد زيارتها في عطلة نهاية كلّ أسبوع، وفي أيام الأعياد وفصل الصيف، مفضّلاً تمضية أيّام الحجْر الوبائي فيها، على عزلته البيتيّة في بيروت.

هنا، بات مجد متأكّداً أنّ الحياة، كما عرفها في السابق، انتهت، لتحلّ محلّها حياة جديدة، قد تحمل عنوان «العودة إلى الأرض»، من أجل غدٍ أكثر أماناً، ومستقبل أوضح المعالم، عازياً ذلك إلى سببين أساسيّين متلاصقين: عدم الثقة بالقيّمين على الملفّ الغذائي، والخشية من شحّ الغذاء، في ظلّ عدم وجود مخطّط وطني شامل للزراعة، إلى جانب عدم الثقة بالوضع الاقتصادي وبالقيّمين عليه، مختصراً المشهد الزراعي المستجدّ، على امتداد القرى والبلدات اللبنانيّة، بقولٍ لجبران خليل جبران: «ويلٌ لأمّةٍ تأكل ممّا لا تزرع».

حماسة

وبحماسة كبيرة، ينكش مجد الأرض حول بيته، وهو الذي كان يقصد النادي الرياضي للتمرين، بعدما وجد في شغل الأرض فرصة لنشاط بدني افتقده أثناء الحجْر الصحّي. لكن «سرعان ما تطوّرت علاقتي بالأرض السمراء، فلم تعد مجرد انجذاب لتحسين الصورة الخارجية، بل علاقة حبّ صادقة، تتطلّع بأمل نحو المستقبل»، يقول لـ «البيان»، وهو يتحدث عن «البقدونسات» و«النعنعة»، وعن حبّة البندورة و«طعمة المقتاية»، عن «البذور الهجينة المستوردة، الأفضل من البلديّة»، عن «الخضار المعربشة التي تحتاج إلى قصب حتى تتسلّق عليها»، عن «الريّ بالتنقيط»، وعن معالجة مشكلة البزّاق الذي يأكل ورق النباتات، ومشكلة النمل الذي يأكل البذور المغروسة.

ومن بوّابة تجربته المستجدّة، يسأل مجد: «كيف نأكل حشائش لا نعرف بأيّ ماء سُقِيت؟ ماذا يبقى من طعْم الخضار والحشائش، إذا اضطررنا لغسلها مراراً وتكراراً، ونقعها وتعقيمها قبل أكلها؟»، وذلك من دون أن يخفي انفعاله الصادق وهو يسأل: «كيف نُدخِل إلى أجسامنا خضاراً نمى وكبر بفعل الكيماوي؟»، ولا شكّ أنّ هذه الأسئلة مشروعة، وشرعيتها تتخطّى الأزمة الحاضرة، لتفتح الباب على تساؤلات تطال كلّ الوضع الاقتصادي والصحّي في لبنان، وعلاقة اللبنانيّ بأرضه، ونظرته إلى مستقبله.

Email