بشرّي حكاية مدينة لبنانية قهرت «كورونا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالأمس القريب، عاشت مدينة بشرّي شمالي لبنان أصعب أيّامها، بعد تفشّي فيروس «كورونا» فيها. وبفضل الجهود الاستثنائيّة التي بُذِلت، نجح أبناء «بشرّي» في السيطرة على الوباء بشكل كبير، والحدّ من سرعة انتشاره، ما جعلها نموذجاً، سلّطت مجلة «فورين بوليسي» الأميركيّة الضوء عليه، كمدينة يمكن الاقتداء بها عالمياً لنجاحها الباهر في كبح انتشار الجائحة.

47 إصابة بفيروس «كورونا»، من بينها 6 في الطاقم الطبّي لمستشفى بشرّي الحكومي. وأتت الأرقام الصادمة، مطلع الشهر الفائت، لتؤكد أنّ قضاء بشرّي (أصغر قضاء في لبنان، ويضمّ مدينة بشرّي) بمرمى الفيروس، وأنّ ثمّة ما يدعو للهلع، خصوصاً في ظروف «بشرّي» الجبليّة، التي ترتفع فيها معدّلات الأعمار بسبب نزوح الفئات الشابة.

وحتى أنّ إمكانات العزْل المنزلي غير مؤّمنة، كما أغلب المناطق اللبنانية، وفي ظلّ وجود مستشفيات حكوميّة مهملة، شبه متروكة، بلا موازنات ولا متابعات. وكانت نقطة التحوّل في «بشرّي» مع إعلان الطبيب يوسف طوق إصابته، مطلع أبريل الفائت، بعدما كان القضاء الأصغر في لبنان خالياً من الإصابات منذ انتشار الفيروس في لبنان منتصف فبراير الفائت.

وهكذا، سجّل أصغر قضاء في لبنان ارتفاعاً لافتاً بالإصابات، وصل إلى 47 حالة في 8 أبريل. وقد عُدّ هذا الرقم مرتفعاً مقارنةً بالإصابات المسجّلة على صعيد لبنان حتى الآن.

وسرعان ما قرّرت بلديّة بشرّي إغلاق المدينة الجبليّة الصغيرة، ما خلق شعوراً بالصدمة في جميع أنحاء لبنان، وطرح أسئلة حول ما إذا كان هناك تفشياً مدمّراً وشيكاً في بشرّي، سيصيب في نهاية المطاف كافّة أنحاء البلاد، من بوّابة أصغر قضاء في لبنان، يُقدّر عدد سكانه بنحو 32.000 نسمة، أي ما يعادل 0.86٪ من مجموع سكّان لبنان، ينتشرون في أكثر من 21 بلدة.

مثال ناجح للعالم

وما بين الأمس واليوم، تبدّل المشهد. ذلك، أنّ هذه المدينة النائية في شمال لبنان، والتي يُقدّر عدد سكّانها بنحو 5000 نسمة، لم تكن تتصدّر عناوين الأخبار الوطنية عادةً، لكنّ استجابتها الفريدة لوباء الفيروس التاجي دفعتها إلى دائرة الضوء.

وفيما لم تلجأ الحكومة اللبنانيّة لعزْل منطقة، في خضمّ المعركة ضدّ الفيروس، سوى في بشرّي، أشارت مجلّة «فورين بوليسي» إلى أنّ بشرّي تشبه بعض المدن النائية الأخرى حول العالم، التي ساعدت نفسها بنفسها في التصدّي للجائحة، ما أحالها نموذجاً يُحتذى به، تماماً كـ «زاهارا دي لا سييرا» في جنوب إسبانيا، التي قهرت «كورونا» حين اعتمدت في المقام الأوّل على مجتمعها المحلّي لاحتواء الوضع.

وعدا عن رفْع مستوى المستشفى الحكومي الموجود فيها وتقديم الفحوصات اللازمة، يعود نجاح «بشرّي» في التصدّي للجائحة، بالدرجة الأولى، إلى الخدمات التطوعيّة التي بذلها أبناؤها، لاسيّما من خلال المبادرة المجتمعيّة «فريق بشرّي للأزمات»، والتي نسّقت الجهود الفعّالة، وتوزيع المال والحصص الغذائيّة للأسر الضعيفة التي أصبحت في حال عوزٍ بعد أن أرهقها الوباء.

Email