الإمام الطيب.. علامة بارزة في تاريخ الأزهر الشريف

ت + ت - الحجم الطبيعي

«أنا رجل بسيط.. أحب الفقراء، وأعيش دائماً بينهم»، هكذا يصف فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، نفسه، فهو ابن تلك المؤسسة القابضة على مبادئها كالقابض على الجمر في زمن الفتن والصراعات، تلك المؤسسة التي قدرها أن واجهت أعتى رياح التشكيك تارة، ومحاولات فرض الهيمنة عليها مرات أخرى، وبقيت قوية في مواجهة حيل إضعافها وتركيعها.

ظلَّت منارة ثابتة على مدار تاريخها، متمسكة بمبادئها كونها أكبر مؤسسة إسلامية في العالم؛ فلم تفلح خيل نابليون في تحقيق مراده، حينما أدرك أن السيطرة على مصر تبدأ من السيطرة على المؤسسة الدينية، كما لم تفلح محاولات آخرين من بعده، حاولوا اختطاف وتوظيف الأزهر ومشايخه بعيداً عن مبادئه الأساسية على مدار التاريخ.

الدكتور الطيب علامة بارزة في تاريخ الأزهر الشريف، أعاد للمؤسسة مكانتها الطبيعية، وفاض بحر عطائه ممتداً إلى داخل مصر وخارجها، مسانداً جميع القضايا العادلة، ومفنداً الاتهامات، التي يسوقها البعض ضد الدين الإسلامي، وربطه بالإرهاب والتطرف.

طيب الذكر والخصال الدكتور الطيب، قليل الكلام، كثير الفعل، اشتهر بمواقفه القويّة والجريئة، وبصماته الإنسانية التي لا تُمحى، ودفاعه عن وسطية الإسلام، وسماحته وانفتاحه على الجميع، فكان الأزهر الشريف في عهده على موعد مع التطوير والتجديد، في مرحلة جديدة تماماً، شهدت كثيراً من الإنجازات، كما شهدت كثيراً من التحديات أيضاً مرتبطة بتطورات فاصلة شهدتها مصر.

خدمة الإسلام

الطيب- الذي لا يتقاضى أجراً عن منصبه، ويرى أنه يقدم عملاً في خدمة الإسلام، ولا يستحق سوى الأجر من الله سبحانه وتعالى- منذ أن تولى منصبه، كانت له عديد من البصمات التي لا تُنسى، فقد أعاد فضيلته - في 17 يوليو 2012- هيئة كبار العلماء التي كان قد تم حلها في العام 1961 (خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر)، كما أنه ألغى تبعية الأزهر، وصار اختيار شيخ الأزهر الشريف بالانتخاب، وليس بالتعيين، كما حقق استقلالية الأزهر في الدستور المصري لأول مرة في تاريخ الأزهر.

وقف بقوة ضد محاولات تنظيم الإخوان للسيطرة على الأزهر، ضمن محاولات التنظيم لفرض هيمنته على المؤسسات الوطنية للدولة المصرية، أثناء حكمه لمصر؛ استمراراً لمواقف الأزهر القوية في مواجهة محاولات السيطرة، وفرض الأجندات عليه منذ نشأته.

تفعيل الدور الوطني

عمل فضيلة الإمام الأكبر على إعادة الأزهر لمكانته المحلية والدولية، وقد آمن بأن استعادة الأزهر لمكانته لا تكتمل إلا بتفعيل دوره الوطني، ومن ثمّ جاء تأسيس بيت العائلة المصري (2011)، الذي يضم في عضويته الكنائس المصرية، إلى جانب الأزهر، ومثل خطوة حقيقية لترسيخ الوحدة الوطنية بين شركاء الوطن.

التصدي للفكر المتطرف

من إنجازات فضيلته، إنشاء مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية، لتعزيز دور المؤسسة منبراً للتصدي للفكر المتطرف، ووأد الأفكار الشاذة. كما أولى فضيلته اهتماماً كبيراً بأنشطة المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، والتي كان قد أطلقها في العام 2007 حين كان رئيساً لجامعة الأزهر. وفي عهده، شهد الجامع الأزهر أكبر وأوسع عملية ترميم وتطوير على مدار تاريخه، كما استعاد الجامع ريادته ودوره التنويري، من خلال عديد من الأمور، من بينها إعادة إحياء نظام الأروقة بأسلوب عصري.

الإمام الطيب- الذي تتسم حياته بالزهد، وقد تخلى عن كثير من مخصصاته للأغراض الخيرية، ويقيم في شقته بالقاهرة بمفرده، ويزور عائلته ثلاث مرات كل أسبوعين- لم ينفصل عن الناس، فأياديه البيضاء ومواقفه الشخصية الجليلة، إضافة إلى مواقف الأزهر الشريف في عهده، جميعها تصب في خدمة المحتاجين في مصر وحول العالم.

دولياً، لم ينفصل الإمام الطيب عن قضايا المسلمين في كل مكان، فساند الضعفاء والمضطهدين، على غرار مواقفه الإنسانية القوية، مثل إرسال المساعدات للاجئي الروهينجا، كما تصريحاته ومواقف فضيلته بالأزمة الخاصة بمسلمي ميانمار، كما لم يقف فضيلته صامتاً أمام التحديات التي تواجهها الأمة الإسلامية، وظاهرة الإسلاموفوبيا، والقلاقل والاضطرابات، التي تشهدها المنطقة، فجاب العالم شرقاً وغرباً، شارحاً لعظمة وسماحة الدين الإسلامي، وأن الإرهاب لا دين له.

Email