إدلب.. روسيا تفرض قواعد الحرب والسلم

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعرضت قوات الاحتلال التركي في محافظة إدلب السورية، أمس، إلى أكبر ضربة منذ تدخلها المباشر في سوريا عام 2016، حيث فقدت 33 من جنودها في قصف شنه الجيش السوري، بحسب بيانات تركية وروسية، وذلك بعد أسابيع من محاولة أنقرة فرض صيغتها الاحتلالية للوضع خلافاً للرؤية الروسية التي ترى أن كل الاتفاقات مع تركيا مؤقتة لضمان عودة الدولة السورية إلى كافة المناطق.

ولإظهار المزيد من الحزم، وبينما تستعر التوترات بين أنقرة ودمشق، نقلت وكالة إنترفاكس للأنباء عن الأسطول الروسي في البحر الأسود قوله إنه سيرسل سفينتين مزودتين بصواريخ من طراز كاليبر إلى المياه قبالة الساحل السوري.

وفي صبيحة تشييع القتلى الأتراك، أجرى وفد روسي محادثات في أنقرة، من دون أن تسفر عن شيء واضح، غير أن بيانات متتالية من الجانب الروسي أظهرت نجاح موسكو في فرض قواعد اللعبة بخصوص إدلب.

وقال الكرملين إن الرئيس فلاديمير بوتين اجتمع بمجلس الأمن الروسي لمناقشة الوضع في سوريا، وقال إنه لا ينبغي نشر القوات التركية خارج مراكز المراقبة في إدلب.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الجنود الأتراك الذين استهدفهم قصف قوات النظام السوري كانوا ضمن «وحدات مقاتلة من مجموعات إرهابية». وقالت الوزارة إن «عسكريين أتراكاً كانوا في عداد وحدات مقاتلة من مجموعات إرهابية تعرضت لنيران جنود سوريين» في محافظة إدلب.

وأشارت إلى أن الجانب التركي لم يبلغ عن وجود قوات له في المنطقة المعنية وأنه «لم يكن يفترض أن تتواجد هناك». وبموجب الاتفاق الروسي-التركي يفترض أن تبلغ القوات التركية المتواجدة في محافظة إدلب، روسيا بمواقعها بهدف تجنب حوادث مسلحة.

لكن تركيا سارعت إلى رفض التفسير الروسي. ونقلت وكالة الأناضول للأنباء عن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قوله إن الضربات حدثت على الرغم من التنسيق مع المسؤولين الروس على الأرض، مضيفاً أن الهجمات استمرت بعد تحذير صدر عقب الضربات الأولى.

لا تراجع روسي

ووفق هذه المعطيات، لم تبدِ روسيا أي تراجع عن موقفها بخصوص ضرورة رسم حدود للتدخل التركي وكذلك الانتشار التركي. وذكرت مصادر سياسية سورية لـ«البيان» أن روسيا تريد من تركيا النأي بنفسها عن كافة المجموعات المسلحة المعارضة، أي الفصل بين القوات التركية وبين فصائل المعارضة، لتتجنب أنقرة الخسائر في المعارك.

ومن شأن فك الارتباط التركي عن المجموعات المسلحة والإرهابية إتاحة المجال أمام الجيش السوري التقدم بسهولة أكبر، فيما يقوم الجانب الروسي بضمان عدم المس بالنقاط التركية في حال التزمت بالقواعد الجديدة للعمليات.

وأعلن الكرملين أنّ الرئيسين الروسي والتركي قد يلتقيان الأسبوع المقبل في موسكو على خلفية تصاعد التوتر في سوريا.

أما في الجانب التركي فإن تصريحات المسؤولين وردود الفعل على الضربة الدامية للقوات التركية لا تكشف أي صيغة واضحة للمسار الذي تسلكه أنقرة، فهي ما زالت بانتظار «نجدة» من حلف الناتو، ومن جهة أخرى، لا تريد المغامرة بالدخول في مواجهة أوسع مع القوات الروسية طالما أن جنودها مكشوفون للضربات الجوية، سواء الروسية أو السورية.

رغم ذلك، فإنها أظهرت تصريحات تصعيدية، على رأسها ما نقله الناطق باسم الرئاسة التركية عن أردوغان قوله لبوتين إن «كل عناصر الحكومة السورية أصبحت أهدافاً وسيتم ضربها».

وقالت وزارة الخارجية التركية إن مسؤولين أتراكاً أبلغوا وفداً روسياً خلال محادثات في أنقرة بضرورة تطبيق وقف دائم لإطلاق النار فورا في منطقة إدلب بسوريا.

وتابعت الوزارة في بيان أن المسؤولين الأتراك أبلغوا الوفد الروسي الزائر خلال المحادثات بضرورة خفض التوتر في إدلب وانسحاب قوات الحكومة السورية، التي تدعمها موسكو، إلى الحدود المقررة في اتفاق خفض التصعيد المبرم عام 2018 بين تركيا وروسيا.

ورد الجيش التركي فوراً باستهداف مواقع للنظام ،بينما أشار أكار إلى أن أكثر من 200 هدف للنظام السوري تعرضت لقصف عنيف من طائرات مسيّرة وغيرها من الأسلحة.

وفي حال لم تقبل أنقرة بقواعد اللعبة كما تقررها روسيا للجميع، فإن القوات التركية ستتلقى ضربات أخرى قريباً. ويعتبر مدير مركز «إيدام» للدراسات في إسطنبول سينان أولغن أن فرصة تركيا في الحصول على دعم عسكري من الحلف الأطلسي ضئيلة، خصوصاً بعد إثارة استياء حلفائها بتقاربها مع موسكو وحيازتها على منظومة الدفاع الجوي الروسية «إس-400».

ويقول إن تركيا لا تملك أي «خيار مناسب» في سوريا، موضحاً أن الضربات «كشفت هشاشة موقع تركيا لغياب تفوقها الجوي». و

في هذا السياق، يمكن أن تجد تركيا نفسها مرغمةً على قبول ترتيبات تتفق عليها مع روسيا، تتيح لها السيطرة على «منطقة صغيرة على طول الحدود التركية تتكدس فيها القوات التركية ونحو مليون نازح سوري».

Email