لبنان ودّع عام «التحوّلات الكبرى».. ويستعدّ للملمة تداعياتها

ت + ت - الحجم الطبيعي

طوى عام 2019 صفحاته الأخيرة، غير مأسوف على ما حمله من عناوين سياسيّة واقتصاديّة وماليّة سيّئة بالنسبة للّبنانيين، الذين يصرّون مع ذلك على التمسّك بأهداب الأمل، لعلّ عام 2020 يحمل لهم تباشير خير.

وأولى هذه التباشير تكمن في تأليف حكومة جديدة، من شأنه أن يشكّل دفعاً إيجابياً تحتاجه البلاد المنهكة على غير صعيد.

وذلك، بعد سنة يمكن وصفها بـ«سنة التحوّلات الكبرى»، إذ شهد لبنان خلالها انقلاباً سياسيّاً - اجتماعياً - اقتصادياً - مالياً دفعةً واحدةً، فكان مسرحاً لانتفاضة حقيقيّة، تحتاج إلى وقت لقراءتها بتأنٍ، وتقويم نتائجها، تزامناً مع انفراط عقد التسوية الرئاسيّة، ما فرض واقعاً جديداً لم يعد ممكناً تجاوزه.

‎وفي يوميّات التأليف، تزايدت الآمال والمؤشرات للولادة الحكومية، خلال الأيام القليلة المقبلة، وإن اصطدمت بأربع عقبات: تشاطر مكوّنات التحالف الحاكم على بعضهم بعضاً، إصرارهم على تنصيب «وزراء أقنعة»، تباعد الرؤى بينهم وبين رئيس الوزراء المكلّف حسّان دياب، وغضب الطائفتين السنيّة والدرزيّة لعدم احترام تمثيلهما بالذين يستحقون من أبنائهما.

أما وسط الهندسات المتغيّرة التي تمرّ فيها مناورات التأليف، فثلاثة ثوابت: عقدة التمثيل السنّي، احتفاظ الطوائف الرئيسيّة بالحقائب السياديّة التي تشغلها الآن، وإصرار رئيس الوزراء المكلّف على حكومة اختصاصيّين مستقلّين لم يخوضوا تجربة التوزير سابقاً.

وبالتالي، لا تزال ولادة حكومة دياب أسيرة تأليف ‏معلّق على لعبة «شدّ الحبال» بين مكوّنات الأكثرية النيابيّة التي كلّفته التشكيل، وسط تأكيد أوساط ‏مواكبة لعملية المشاورات الجارية بين «قوى 8 آذار» لـ«البيان» أنّ عقبات متشعّبة حالت دون ولادة التشكيلة ‏الحكوميّة حتى الساعة.

لكنّها لم تستبعد، في الوقت عينه، أن تشهد الساعات المقبلة حلحلة جذريّة للعقد ‏المستعصيّة، قد تؤدّي إلى إعطاء الضوء الأخضر لصدور مراسيم التأليف.

أما من جانب الحراك الشعبي، فعبّر ممثلو مجموعات أساسيّة فيه عن أنّ الشارع أعطى فرصة ‏كبيرة ليرى شكل الحكومة والأسماء التي تضمّها التشكيلة الوزاريّة.

لكنّ لعبة استنزاف الوقت لن تكون في صالح ‏الرئيس المكلّف. ولفتوا الانتباه إلى أنّ المماطلة في التأليف إنما تعكس حجم التدخل السياسي في عملية تشكيل ‏الحكومة، وتجسّد استمرار ذهنيّة المحاصصة لدى أهل السلطة، وكأنّ البلد لم يشهد أيّ ثورة.

وفي المحصّلة، فإنّ كلّ جرعات التفاؤل لم تفضِ إلى تسييل هذا التفاؤل بإمكان ولادة الحكومة في الـ2019. أما السؤال الذي يطرحه الجميع من دون استثناء، فمفاده: كيف سيكون عليه الوضع في أوّل يوم عمل من السنة الجديدة، أي غداً، في ظلّ استمرار تعثر ولادة الحكومة؟ علماً أن لا جواب من أيّ كان.

من سجلّ 2019

وكان أهل الحكم أهدوا إلى اللبنانيين خيبة إضافيّة في نهاية العام الراحل. فبعد أن كان هؤلاء وعدوا بتأليف الحكومة الجديدة قبل انقضاء العام، فتكون عيديّة السنة الجديدة، حالت الخلافات السياسية دون الولادة المنتظرة.

وسواء كانت العقبة التي عرقلت التشكيل «الميثاقيةُ» غير المؤمّنة، أو الصراع على من يختار الوزراء المسيحيّين أو السنّة، أو على حصّة الدروز، أو على أسماء المستوزرين، أو على طبيعة الحكومة (اختصاصيّين مستقلّين، أو تكنو- سياسيّة، أو من تكنوقراط تختارهم الأحزاب)، لا فرق، فالنتيجة واحدة بحسب المتابعين:

لا حكومة حتى الآن، نتيجة إصرار السلطة السياسيّة على التعاطي مع الواقع الحالي بالذهنيّة نفسها.

وهكذا، أضيفت هذه الخيبة إلى سجّل أبرز محطات العام الراحل، بدءاً من «انتفاضة 17 أكتوبر»، ووصولاً إلى انتهاء التسوية الرئاسيّة التي كانت قضت بتوزّع الرئاسات الثلاث على مدى العهد الرئاسي، إلا أنّ التباعد بين رئيس الوزراء المستقيل سعد ‏الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، وانعكاسه على العلاقة مع الرئيس ميشال عون، أدّيا إلى فرْط عقْد تلك ‏التسوية.

وتالياً دخول البلاد في مرحلة جديدة من التعامل، ظنّ كثيرون أنّها ستكون مع الحريري نفسه وإنّما بدفتر ‏شروط جديد. لكنّ خروج الحريري من المشهد الحكومي، باعتذار واضح وصريح، أدخل البلاد في مرحلة جديدة غير ‏واضحة المعالم، خصوصاً أنّ حسّان دياب لم يحظَ برضى الحريري ومجمل الطائفة السنيّة التي باتت ‏أقرب إلى معارضة العهد.

ومع هذا التطوّر، يتّجه لبنان إلى حكومة لون واحد، أو حكومة مواجهة قوامها أحزاب «8 ‏آذار»، فيما يترقّب المتابعون النصف الثاني لولاية عون، بعد مضي ثلاث سنوات.

 

Email