وضع الرئيس العراقي برهم صالح حداً فاصلاً بينه والقوى السياسية التي تسعى بشتى السبل للالتفاف على المطالب المرفوعة من قبل الشارع، مقدماً رسمياً استقالته لبرلمان بلاده.
وأرفقها بتشديد على أنه يفضل التنحي عن اعتماد مرشح يرفضه الشارع، وفيما أبدى غالبية الأعضاء تأكيدهم أن البرلمان سيرفض الاستقالة، ثمنت كتلة الحكمة النيابية المقربة من الزعيم الشيعي عمار الحكيم موقف الرئيس العراقي في الحفاظ على وحدة البلاد، وطالبته بالبقاء في منصبه رئيساً لجمهورية العراق لحماية البلاد.
وأعلن صالح رفضه تقديم مرشح التحالف الموالي لإيران لمنصب رئيس الوزراء إلى البرلمان، ما ينذر بتعميق الأزمة السياسية في البلاد. واستند صالح، في كتاب رسمي موجّه إلى البرلمان، للمادة 76 من الدستور التي تُلزم الرئيس بتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً لتشكيل الحكومة من دون أن يكون له اعتراض.
خطاب استقالة
وقال رئيس الجمهورية: «مع كل الاحترام للأستاذ (محافظ البصرة) أسعد العيداني، أعتذر عن تكليفه (...) وبما أن هذا الموقف المتحفظ من الترشيح الحالي قد يُعتبر إخلالاً بنص دستوري»، لذلك «أضع استعدادي للاستقالة من منصب رئيس الجمهورية أمام أعضاء مجلس النواب».
واعتبر صالح أنه بذلك يضمن «المحافظة على استقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه» وفق المواد الدستورية. وفي برلمان يعد الأكثر انقساماً في تاريخ العراق الحديث، يدور الجدال حالياً على تحديد الكتلة البرلمانية الأكبر التي تسمي رئيس الوزراء.
ومفهوم الكتلة الأكبر هو الائتلاف الذي يضم أكبر عدد من النواب بعد الانتخابات، وليس بالضرورة أن تكون اللائحة التي فازت بأكبر عدد من المقاعد بعد الاقتراع.
تجديد كامل
ولذا يقدّم الائتلاف الموالي لإيران نفسه على أنه المخوّل بالتسمية، فيما يعتبر ائتلاف «سائرون» بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر التحالف الأكبر، لأنه حل أولاً في الانتخابات التشريعية.
ولم تتمكن الأحزاب السياسية الموالية لإيران من الاتفاق في بادئ الأمر على ترشيح وزير التعليم العالي المستقيل قصي السهيل لتولي منصب رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، كما قوبلت هذه المساعي بمعارضة واسعة من المحتجين.
ويطالب العراقيون المحتجون، منذ الأول من أكتوبر، بتغيير النظام السياسي الذي أرساه الأمريكيون عقب إطاحة صدام حسين في عام 2003، وتسيطر طهران على مفاصله اليوم. ويرفضون تسمية أي شخصية كان لها دور في العملية السياسية خلال الأعوام الـ16 الماضية، وسط تخوف من عودة العنف إلى الشارع الذي أسفر عن مقتل نحو 460 شخصاً وإصابة 25 ألفاً آخرين بجروح.
وتصاعدت حدة التظاهرات، أمس الخميس، احتجاجاً على محاولة ترشيح محافظ البصرة أسعد العيداني لمنصب رئيس الوزراء، إذ توافد آلاف المواطنين إلى ساحات التظاهر، رافعين شعارات مناهضة للكتل السياسية وترشيحاتها، ومطالبين باعتماد مواصفات ساحات التظاهر في اختيار شخصية رئيس الوزراء المقبل.
وقال محتجو ساحة التحرير، في بيان قُرئ من المطعم التركي، إن الأحزاب ما زالت تصر على فسادها ومماطلتها ومحاولتها لتمرير مرشحها «قاتل الثوار في البصرة أسعد العيداني»، الفاسد المرفوض من الشعب العراقي بالكامل.
وفي البصرة، مسقط رأس العيداني، كان الرفض أشد، عبّر عنه المحتجون بقطع الطرق وحرق الإطارات، متهمين العيداني بالفشل في مهمته كمحافظ، والمسؤولية عن مقتل عشرات المتظاهرين خلال احتجاجات عام 2018، والتظاهرات الحالية باعتباره رئيس اللجنة الأمنية في المحافظة.
وقام متظاهرون بقطع طريق ميناءي خور الزبير وأم قصر، احتجاجاً على التأخر الحاصل في مسألة اختيار رئيس الوزراء، وترشيح شخصيات مرفوضة من ساحات التظاهر إلى المنصب.
كما أقدم متظاهرون غاضبون على قطع الشارع التجاري وسط محافظة البصرة في تصعيد جديد لرفض ترشيح العيداني، وأحرق المتظاهرون إطارات السيارات في مسيرات رافضة لتسنّم منصب رئاسة الوزراء من قِبل المرشحين الذين تم طرحهم. كما بدأ العشرات من الطلاب في محافظة المثنى بإنشاء تجمعات في ساحة الاعتصام والانطلاق بتظاهرة كبيرة.
