أمهات يلجأن للشعوذة بحثاً عن أبنائهن

المفقودون السوريون.. كابوس ما بعد الحرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

خرجت من أحد المنازل وهي تلتفت يمنة ويسرة تحاول التأكد من خلو الشارع من أي شخص قد يراها في المكان، ويتعرف عليها فتمسي مصيبتها مصيبتين، كانت حذرة في هذه الزيارة. هي تدرك أن أياً من معارفها لن يلمحها في هذا الحي القديم، وحتى لو تصادفت معهم فلن يتمكنوا من اكتشاف هويتها بعدما ارتدت نقاباً سميكاً ستنزعه عنها بمجرد وصولها للسيارة التي استأجرتها لهذه المهمة، وابتعادها عن منطقة حي الأمين بشكل كامل.

تقول أم شادي لـ«البيان» عبر فيسبوك إنها لا تؤمن بقصص السحر والدجل، وهي تعرف أن السيدة التي تدعي كشف المستور ورؤية المختفي، ما هي إلا وسيط مع عناصر يعملون في الأمن وآخرون يتعاون مع الجماعات المعارضة في البلد.

وتضيف أم شادي وهي تعترف بأنه اسم مستعار، بأنها ذهبت لمنزل هذه الساحرة بعدما أُغلقت في وجهها كل الأبواب وعجزت عن الحصول على أي معلومة تكشف لها طريق ابنها المختفي منذ أكثر من خمس سنوات.

مبالغ ضخمة

دفعت أم شادي للساحرة مبلغاً كبيراً من المال على أن تزيده بمجرد الحصول على معلومات بعد بضعة أيام، وتشرح السيدة الخمسينية بأنها خسرت الكثير من الأموال خلال فترة اختفاء ابنها، وفي كل مرة تدفع لأحدهم على أمل تزويدها بأية معلومة لتكون النتيجة سرقة المال وعدم الحصول على شيء.

واستعرضت قائمة طويلة في هاتفها لشخصيات مجهولة تحمل أسماء حركية بعضهم التقت بهم بالفعل وسلمتهم المال، والبعض الآخر لعب بأعصابها واختفى كما ظهر. وتتابع وهي تكابد دموعها أن غياب ابنها دمّرها وشتت تفكيرها، كما أفقدها القدرة على العيش من جديد وهي تحلم بسماع أي خبر وتتمنى أن يكون خبراً جيداً.

تتابع أم شادي بحزن أنها دفعت كل ما تملك من أجل الحصول على معلومة واحدة مفيدة، ولكن ما وصلها للآن معلومات متناقضة، فتارة يخبروها بأن زوجها معتقل لدى الأمن، وتارة أخرى بأنه في سجون «جيش الإسلام» (قبل استعادة الغوطة)، واليوم وصلت الإشاعات لدرجة اتهامه بالانخراط مع الفصائل المعارضة وتواجده في إدلب.

قصص المفقودين تشكل هاجس ما بعد الحرب وهي تكاد تكون موجودة في كل بيت سوري. ليلى الحكيم وهي موظفة سابقة، تقول إن قلبها يخبرها بأن زوجها ما زال على قيد الحياة رغم أن غيابه طال لحوالي ست سنوات، ورفضت حتى الآن تسجيله في النفوس والقيام بحصر إرث مع أولاده، رغم أن أمورهم معلقة ولا يستطيعون التصرف بأي شيء يملكه، كما أنهم تعرضوا لمصاعب مالية كثيرة كان بإمكانهم حلها باستخدام رصيده البنكي، لكنهم لم يقدموا على هذه الخطوة التي تحتاج لتسليمهم بوفاة الغائب.

أربع سنوات

خلال سنوات الأزمة عانت أسر المفقودين من صعوبات كثيرة لم تقتصر على الناحية العاطفية فقط ولا على ناحية الاستغلال، وإنما وصلت لدرجة توقف أمورهم وعدم قدرتهم على استخدام مال المفقود أو أملاكه، وحلت الجهات الحكومية هذا التعقيد بتسهيل إجراءات توفية المفقود بعد مرور أربع سنوات على غيابه من دون أي معلومة عنه.

وفي دمشق تستقبل العدلية يومياً عشرات المعاملات للحصول على وكالة قضائية عن مفقودين وغائبين لتسيير أمورهم الخاصة، من وثائق ورواتب وعقارات وغيرها من الأمور التي تعنيهم.

غائب ومفقود

يشرح المحامي عبدالله قاسم أنه يوفى الشخص في اليوم التالي من مضي أربع سنوات على فقدانه من دون أن يعلم عن وضعه شيئاً في الحالات الحربية أو المماثلة لها، يُعطى الوكيل إما وكالة قضائية دائمة أو مؤقتة. ونوه لوجود فرق في القانون بين مفهومي الغائب والمفقود، فالأول تكون حياته محققة لكن مجهول المكان ومضى على غيابه سنة، أما المفقود فهو الذي لا تعلم حياته من مماته.

Email