8 آحاد في سجلّ انتفاضة «كلّن يعني كلّن»

شعار نادت به الساحات منذ اليوم الأول للاحتجاجات | البيان

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شيء استفزّ الطبقة السياسيّة الحاكمة في لبنان أكثر من شعار «كلّن يعني كلّن»، الذي بات شعار الانتفاضة الشعبيّة بامتياز، منذ أوّل أحد تلا انطلاقتها.. وهو شعار صدر من معاناة شعب أتعبه فساد الأحزاب والتيارات السياسيّة التي استرسلت في المحاصصة وتقاسم «قالب الجبنة»، وفق تعبير الناشطة ربى، وله عندها تعريف واحد: «هو روح الثورة التي جمعت ابن النبطية بابن طرابلس، ومدّت يد ابن جبيل ليمسك بيد ابن الشوف وبعلبك، وفتحت قلب بيروت ليصرخوا جميعهم من ساحاتها بصوت واحد: كلّن يعني كلّن».

يومها، ومن وحي «انتفاضة الضرائب»، التي شكّلت الشرارة الأولى لاندلاع «ثورة 17 أكتوبر»، لم يميّز المتظاهرون بين سياسيّ وآخر، فصرخوا، ولا يزالون، بأعلى أصواتهم «كلّن يعني كلّن»، ولم يستطع أحد النجاة من هذا الشعار برمزيّة مضمونه، ما حتّم على «الآخر» اعتمادها واستعادتها في قوالب تعبيريّة، وتوظيفها في خطاباته للتطمين ونفي التهم وإبداء وجهات النظر. أما الذي أوصل هذا الكمّ من البشر إلى هذا الإجماع فهو، بحسب رنيم الطالبة في كلية الإعلام، إمّا فقدان الأمل بغد أفضل، أو التعمية التي يعتمدها المسؤولون، فلا يطلِعون الناس على حقيقة الأمور، وإجراء الحوارات والنقاشات والاتفاقات في الكواليس، بالإضافة إلى إحكام سيطرة بعض الزعماء على رقاب أتباعهم، فيشدّون الخناق عند الحاجة؛ فيلعب الأوّلون على غرائز حزبيّة ودينيّة، يثيرونها عندما يحلو لهم في النفوس.

ومع توالي الآحاد، تمرّد الشارع فتمرّدت اللغة، عاكسةً نبض الشارع المنتفِض وغضب المحتجّين، وذلك في ترابط وثيق بين اللغة والسلطة والشارع والشعار.. وما بين الساحات المتعدّدة للثورة، وما بين المشاهد التي كرّت كسبحة، بإشاراتها التي أغنت عن عبارات، وبأجزائها التي سردت الكلّ، وقفت منال، الصبيّة العشرينيّة التي لم تتردّد في الالتحاق بزميلاتها الثائرات في إحدى الساحات، حاملةً علم لبنان، لتعلنها ثورةً حقيقيّةً: «ها هو الحاضر يُحاكم الماضي.. ونقطة على السطر». وهكذا، تفتّحت عيون الناس في لحظة انتفاضة، بعدما فقدوا الثقة بكلّ المسؤولين وبكلّ ورقة إصلاحيّة تقدّمت بها هذه السلطة، يقول الناشط ربيع، وهو من الطامحين إلى وجوه أخرى «تكنوقراط» تتمتّع بكلّ مواصفات النزاهة والشفافيّة، ولا تنتمي إلى تلك الطبقة التي أهدرت الأموال العامّة دون حسيب أو رقيب.

«أحد الضغط»، «أحد ثورة الطلاب»، «أحد بوسطة الثورة»، «أحد الوحدة»، «أحد الوضوح»، «أحد الاستشارات».. وما بين هذه الآحاد يومان في سجلّ «الإثنين»، واحد للسيارات، والثاني للخيارات.. وصولاً إلى «أحد الغضب»، أول من أمس، والذي لا يزال أفقه مفتوحاً على شتّى الاحتمالات والتسميات وابتداع أساليب صوْغ مبتكرة للشعارات وللهتافات المعبّرة عن الحقّ.. وذلك، في ضوء حقيقتين: الأولى، أنّ الأزمة التي دفعت الناس إلى الثورة لا تزال أسبابها قائمة، إذ إنّ أهل السلطة لا يزالون يعالجونها بوسائل وعقلية ما قبل الثورة، بمعنى أنّ البحث لا يزال يدور حول كلّ شيء إلا في صلب القضايا الإشكاليّة موضع غضب الناس، وإنْ لم يخرج من هذه الأنانيات إلى العلن إلا القليل بعد، خشية إغضاب الناس أكثر. أما الحقيقة الثانية، فتكمن في أنّ ما يجري السعي إلى علاجه، وبـ«المسكّنات»، هي الملفات التي سبقت الانتفاضة وكانت أحد مسبّباتها الرئيسيّة.

وهكذا، توالت الآحاد، وتوالت معها الشعارات والمطالب والشتائم، كأنّها جزء من اليوميّات الكثيفة والمحمومة في الشوارع والساحات.. شعارات سياسية ومطلبية غاضبة ومباشرة اختلطت بشتائم ورسوم وشارات وغرافتي، بدأت كلّها بكلمة «ثورة»، التي بُحّت حناجر كثرة من المعتصمين، فيما هم يهتفون بها صارخين، مع هتاف آخر يمكن اعتباره أيقونة هتافات الانتفاضة: «كلّن يعني كلّن». وفي المحصّلة، لم يفقد الثوّار البوصلة، ولم يتعبوا، حسب تأكيد ربى، وبات واضحاً أنّهم لا يزالون يعيشون في كلّ «الآحاد» المتلاحقة على أمليْن اثنين، لا ثالث لهما: أن تثمر الثورة فجراً جديداً في البلاد، وأن تنجح الضغوط الداخلية والدولية في حمْل السلطة والأفرقاء السياسيّين على اجتراح اختراق طال انتظاره.

Email