أم جميل تواجه الفقر والمرض بالعمل في بيع الأسماك

ت + ت - الحجم الطبيعي

صباح كل يوم وعلى مدى 17 عاماً، تخرج أم جميل الأقرع من بيتها الواقع غربي مدينة دير البلح بغزة، بعدما تنتهي من تقديم الطعام لأبنائها الخمسة، وإعطاء زوجها الدواء اللازم له، وتسخين المياه لوضعها داخل «قربة» على ظهره، لتصل إلى ميناء دير البلح، لشراء الأسماك من الصيادين، وبيعه في الأسواق المحلية.

تنتظر أم جميل رزقها كل يوم أمام الميناء، بخروج الصيادين بعد ليلة عمل داخل البحر بحثاً عن الأسماك، لتشتريه من «الدلال»، وهو شخص يستأجر الميناء، لتنقله في صندوق بلاستيكي على رأسها تتجول به في الشوارع والأسواق، لتؤمّن لأسرتها وزوجها لقمة العيش والدواء.

سنوات طويلة

وأصبحت أم جميل مضطرة إلى ممارسة هذا العمل منذ سنوات طويلة، لتواجه الفقر داخل بيتها، والمرض الذي لم تتوصل إلى علاج له حتى الآن لزوجها، مما دفعها لتواجه الصعاب كل يوم من أجل أسرتها وزوجها.

وقد تنتظر أم جميل ساعات طويلة أمام الميناء لوصول الأسماك والصيادين، وقد تعود أدراجها بعض الأيام لعدم وجود أسماك تشتريها وتبيعها، وهو يوم تعتبره أم جميل سيئاً لها ولأسرتها.

ولا مجال لأم جميل للاستمتاع بنسمات البحر ومشهده في الصباح كل يوم، خلال سيرها مشياً على الأقدام من بيتها إلى ميناء دير البلح، الذي يبعد عن بيتها 500 متر، لأن الأفكار تتزاحم في رأسها عن مستقبل أسرتها، وقدرتها كل صباح على توفير الطعام والشراب، وشراء الدواء لزوجها، ومقدرتها على سداد الديون المتراكمة عليها.

فمرض زوجها والآلام التي أصابت ظهره أصبحت هاجساً يقضّ مضجعها، بعدما أبلغها الأطباء بأن الكثير مصاب مثل زوجها، وقد يحتاج إلى وقت طويل للعلاج، ولكن بدون أمل حتى الآن، أو مقدرة على تحويله إلى الخارج للعلاج، ولا تجد من يساعدها في حملها الثقيل.

تشتري أم جميل الأسماك من الميناء، بعدما تدفع رسوم الدخول، وشراء أكياس بلاستيكية لتبيع فيها الأسماك، وتدفع أجرة مواصلات يومية لنقل الأسماك للأسواق البعيدة، ولكنها في أغلب الأوقات تحمل الأسماك في سلة بلاستيكية مخصصة للأسماك على رأسها وصولاً إلى الأسواق القريبة من الميناء، لتوفير أجرة مواصلات نقل الأسماك.

وبينت أم جميل أنها كانت مسبقاً تشتري وتبيع الأسماك الغالية الثمن، لكن الأوضاع الحالية في غزة أدت إلى عزوف الفلسطينيين عن شراء الأسماك الغالية، وشراء المتداولة الرخيصة الثمن.

يوم عجز

وقالت خلال حديثها لـ«البيان»: «إذا لم أبع الأسماك التي أشتريها من الميناء، يكون هذا يوم عجز، وأضطر إلى بيعها حتى لو بسعر رخيص برغم ثمنها المرتفع، حتى لا تتكدس الأسماك في وجهي، وأصاب بخسارات متتالية».

بدايات أم جميل في بيع الأسماك كان بتحفيز من والدها الذي كان يعمل صياداً، ويبيع الأسماك على كارة يجرها حمار، حينها طرح عليها مساعدة زوجها المريض على تنظيف الأسماك، وساعدها في البداية بمنحها مبلغاً صغيراً من المال مقابل بيعها السمك برفقته، حتى توفي فجأة، وأكملت ابنته الطريق لانتشال أسرتها من الفقر والمرض.

ساعد أم جميل في مهنتها الصيادون داخل الميناء، فأصبحت في البداية تشتري منهم الأسماك، وتعطيهم ثمن الأسماك بعد بيعه، واستمرت على هذا الحال 17 عاماً في المهنة نفسها.

واضطرت أم جميل إلى فصل أبنائها الثلاثة من المدارس، لعدم قدرتها على دفع مصاريفهم الخاصة، واتجه ابنها الأكبر لمساعدتها في عملها على بيع الأسماك، فيما تكمل ابنتاها الدراسة.

تفهّم ومساعدة

وقالت أم جميل: «إذا أغلق الاحتلال البحر في وجوه الصيادين، ينعدم الدخل في بيتي، فالبحر والسمك هو مصدر دخلي الوحيد، وأضطر بعض الأوقات إلى شراء جزء من أدوية زوجي المطلوبة بنظام الدين، لعدم امتلاكي الأموال».

وانتقد أم جميل الكثير في بداية عملها، معتبرين أن هذا العمل مخصص للرجال، لكن الجميع تفهم فيما بعد ظروف أسرتها وزوجها، وأصبح الجميع يساعدها في عملها بقدر الإمكان.

كلمات دالة:
  • الأسماك،
  • دير البلح،
  • غزة،
  • أم جميل
Email