تقرير البيان

الانتخابات.. مخاض فلسطيني للتحرّر أم حَمْل كاذب؟

أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تنفس الفلسطينيون الصعداء، عندما وافقت حركتا فتح وحماس على دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بإجراء انتخابات عامة، بيد أنهما اعتادا في كل مرّة يتم فيها الدعوة للانتخابات على الاصطدام بعقبات عدّة، يبرز في مقدمتها الشعار الدائم «لا انتخابات دون القدس» وهذا بحد ذاته كافياً لإثارة كثير من الشكوك في شأن فرص قدرة الحراك الانتخابي على الصمود طويلاً.

في الزمن المنظور، لا خيار أمام الحركتين سوى الحكومة المشتركة، فهي الضمان الوحيد لفتح ثغرة في جدار الانقسام المستشري بينهما منذ عدة سنوات، أما على المديين المتوسط والبعيد، فإن «الزواج» بالإكراه بين خصمين لن يُكتب له النجاح طويلاً، ومن هنا فإن أكثر المتفائلين يتوقعون انتخابات مبكرة في غضون عام إلى عام ونصف، هذا إن جرت الانتخابات أصلاً.

الانتخابات التي دعا إليها الرئيس عباس ليست من الطراز الجديد، إذ سبقها عدة دعوات مشابهة، لكن ما يميّزها هذه المرة أنها تستغل غفلة الخصم، فدولة الاحتلال تواجه أزمة دبلوماسية، وحكومتها تواصل ارتكاب الأخطاء وتغرق في مأزقها السياسي، وجليٌ أن من منابع القوة في الجسم الفلسطيني ضعف الخصم، وإذا ما تم استغلال مكامن القوة في الموقف الداخلي فسيكون للفلسطينيين كما كل دول العالم برلمان يعرضون عليه كل اتفاقية أو قضية للمصادقة.

الانتخابات النزيهة

ستخدم الفلسطينيين سياسياً أمام الحليف والعدو على حد سواء، فهي من جهة تساعدهم على بناء نظام سياسي سليم من شأنه أن يكون أداة فاعلة في مخاض التحرر، ومن جهة أخرى ستطوي صفحة الانقسام، الأمر الذي سيجعل نتانياهو «مسموم البدن» ويقف مغتاظاً وعاجزاً عن انتقاد النتيجة الديمقراطية أياً كانت.

المرحلة إذن ليست دقيقة ولا حرجة، هي مرحلة كغيرها من المراحل، لكن كل المؤشرات والدلائل تُجمع على أن الكل الفلسطيني لديه الرغبة والجاهزية التامة لخوض انتخابات عامة، رئاسية وتشريعية ومجلس وطني، فالانتخابات باتت أكثر من مطلب وأمر لا غنى عنه وهذا ما دفع الرئيس عباس للدعوة إليها من على منبر الأمم المتحدة، ليكون العالم بأسره شاهداً عليها.

الحراك الأخير الذي قادته لجنة الانتخابات المركزية، ممثلة برئيسها الدكتور حنا ناصر، في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، حملت بشائر سارّة للشعب الفلسطيني، والبوادر تشير إلى شيء من الإيجابية، خصوصاً وأن الانتخابات إن جرت ستضع الفلسطينيين أمام فرصة مثالية لإنهاء الانقسام، هذا الخنجر المسموم، المطعونة به قضيتهم.

وأمام هذا الاستحقاق الوطني، الذي لم يجر منذ إقامة السلطة الفلسطينية، سوى مرتين، فصل بينهما عشر سنوات بالتمام والكمال، يطفو على السطح سيناريوهات عدّة، تتمحور حول إمكانية الدفع بقاطرة القضية الفلسطينية قُدماً إلى الأمام، وعبور مراكبها العائمة في بحر القضايا الإقليمية، إلى شواطئ الأمان.

يقيناً، أن القضية الفلسطينية تراجعت إلى الوراء بفعل الانقسام الذي لا يزال يتسيّد المشهد منذ أكثر من 12 عاماً، لكن تخطي كل العقبات والاتفاق على كل البنود الخاصة بإجراء الانتخابات حتماً ستفضي إلى كسر حالة الجمود والاستعصاء على الصعيدين السياسي والجغرافي.

شكلياً، تبدو الأمور وكأنها ماضية إلى تباشير فجر جديد للشعب الفلسطيني، بيد أنه في حال عجز الفلسطينيون عن تجاوز «التفاصيل» المعتادة، فسيكونوا أمام أشبه بـ«الحمْل الكاذب».

 

Email