قصة خبرية

الطفل خالد بين حلوى الميلاد ومرارة الاعتقال

خالد غنام

ت + ت - الحجم الطبيعي

الطفولة، بهجة الأهل، وهمهمة القلب حين يرى برعماً يذوي في الحديقة، لكن في حكاية الطفل خالد غنام من مدينة قلقيلية شمالي الضفة الغربية، كل شيء تحطم، ليس فقط في لحظة عابرة، أو مبارزة كاسرة، وإنما في نزوة فاجرة.

ظنت عائلة خالد أن لا بأس في تدابير الفرح، احتفالاً بعيد ميلاده الـ 12، لكن جيش الاحتلال المتوحش، كما في الأفلام، كان يلتهم كل شيء، ألعاب الأطفال وأحلامهم وأعيادهم.

في قصة خالد، صور للمعاناة المروّعة، التي يتعرض لها أطفال فلسطين، التواقين للحرية، وشواهد حيّة على الممارسات التي تصيب بصورة خاصة، أطفال الشعب الفلسطيني، وفتيته وصنّاع غده اليافعين.

محاولة للفرح

كانت عائلة خالد، تعدّ لمفاجأة الابن المدلل، والطالب المتفوّق، بـ «كعكة» عيد ميلاده، الذي صادف الـ 17 من الشهر الجاري، لكن جيش الاحتلال أفسد عليها «مخططاتها»، فاعتقل خالد، بينما كان في طريقه للهو في حديقة الحيوانات في المدينة. تأخر خالد عن موعد عودته إلى المنزل، فبدأ القلق يتسلل إلى قلوب والديه، إذ إنها المرة الوحيدة التي يطول فيها تأخيره، مرّت الساعات الطويلة، ولم يعد خالد، لتبدأ موجة البحث عن طرف خيط، إلى أن جاء الخبر اليقين مما يُسمّى «الارتباط العسكري»، الذي أخبر العائلة باعتقاله، الذي استمر ليومين، مرّت على العائلة كأنها الدهر!

لحظات مرعبة

كان الصغير خالد، يروي مشاهد اللحظات المرعبة، كما لو أنها ستظل محفورة في سجل ذاكرة بيضاء إلى الأبد، كان وهو يتحدث لـ «البيان» عبر الهاتف، يرتعد خوفاً من ذكريات الألم، وبدا قلقاً على مستقبله الغامض مع هذا الاحتلال، كان يحاول إيصال صرخة مدوّية، ونداء حيّ نازف، إلى الوجدان والضمير العالميين، لكي يتعالى صوت كل محبي السلام، في وجه الاحتلال العنصري الأخير في العالم.

يومان فقط، بين حفلة عيد ميلاده، وحفلة التنكيل بحقه، التي انتهت به إلى أشبه بصدمة نفسية، وغياب عن الوعي، ربما بعد اللكمة الثانية بقبضة أحدهم، أو الضغط الثقيل على الصدر بأحد البساطير، وجد نفسه في أحد معسكرات الاعتقال الفاشية.

لم يستطع خالد التعرف إلى عدد «الوحوش الآدمية» التي انقضّت عليه، وهو في الطريق إلى حديقة الحيوانات الأكثر آدمية من مُعتقِليه، غير أن شهود عيان، قالوا إن عددهم زاد على خمسة جنود.

مفارقات عجيبة!

من أكثر المفارقات السوداء والمثيرة للسخرية في قصة اعتقال خالد، ذلك البند الذي تضمنته «لائحة الاتّهام» الأولية، التي أعدّها ما يُسمّى الادعاء العسكري الإسرائيلي، تشكيله خطراً على جنود الاحتلال، وأن أحد الجنود الذين هاجمهم بالزجاجات الحارقة، أصيب بحالة نفسية متردية، اضطرته لمراجعة المستشفى!!

وإلى جانب كونه «المتسبب» بتردي الحالة النفسية لأحد الجنود، تضمنت لائحة اتهام خالد، أنه حاول المساس بالجنود المسافرين، وحرقهم!!

تجربة اعتقال خالد، لم تبدأ من عملية اعتقال نفذها بحقه جنود مدججون بالحقد والكراهية، بل إنها تبدأ من ذلك اليوم المشؤوم، الذي حاول فيه إيجاد فسحة من فرح، ليتحول إلى قصة مأساوية، ستظل محفورة في الذاكرة الشخصية لهذا الطفل، ما دام على قيد الحياة، بينما امتلأت الذاكرة الخصبة الجماعية لعائلة خالد، بصور عدوانية جنود الاحتلال، وهم ينهشون أوقاتاً جميلة من حياتهم، ويحاصرون أيامها ولياليها بالمآسي. رغم ذلك كله، تبقى الأشياء الجميلة في حياة خالد، خالدة مثل ومضات ضوء في المساحات المعتمة، التي خلّفها اعتقال يومين من عمره الفتيّ، عاش خلالها أول «ضربة شمس» في حياته، وأولى جولات التحقيق، غير أن تفاصيل البشاعة في تجربته، تسكنها الحيرة والقلق، من احتمال «استنساخ» تلك التجربة مرة أخرى.

Email