موسم الزيتون.. أعراسُ فلسطينيين وإرهاب احتلال

سيدة فلسطينية تنقي الزيتون من الشوائب | البيان

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تعتبر شجرة الزيتون في فلسطين، مجرد مورد اقتصادي مهم لشريحة واسعة من السكان، بل تتعدى ذلك لتشكّل مكوّناً من مكوّنات الهوية الوطنية. ويشكل موسم الزيتون في فلسطين، عرساً ريفياً كبيراً، إلّا أنّه لم ينل هذا العام حظّه من الاحتفال المعتاد، إذ دبّت الهواجس في قلوب المزارعين من اعتداءات المستوطنين، ليأخذ قطف ثمار الزيتون منحى من الصمود والتحدي.

سقط في يوميات موسم الزيتون، وبين حقوله الخضراء، طابور من الشهداء، دون أن يَقتُل هذا المشهد الإجرامي، إحساس الفلسطيني بالحياة، والإبقاء على دورتها، والحيلولة دون إرباك العلاقة بين الأرض وأصحابها الشرعيين. إنّ لموسم الزيتون في فلسطين، خصوصية وأهمية فهو رمز الخصب والعطاء، وموسم البركة، الكبار والصغار يقطفون الثمر، ويجمعون الحبّ، والأسر الفلسطينية تتشاطر البهجة برؤية حصاد تعبها في المعصرة، وزيتون أخصر للكبيس. الفرحة الصادقة تعلو وجوه الجميع، وهم يتحلّقون حول الشجرة الطيبة المباركة، في أجواء حميمة، وجمع عائلي فريد، كأنه مؤتمر سنوي للعائلة تحت جذع الزيتونة، وللطعام في الخلاء بعد يوم عمل شاق، ونكهة مختلفة!.

تتكرر مشاهد إرهاب الاحتلال في موسم الزيتون كل عام، إذ تواصل جرافات الاحتلال مدعومة بآلة الحرب العدوانية، تجريف مئات الدونمات من الأراضي الفلسطينية، مواصلة حربها على الحياة بكافة أشكالها، لتطال غصن الزيتون الأخضر، بل إنها تحيل تلك الأغصان اليانعة إلى حطب قبل أوانها، ما يبرر مقولة شاعر القضية الفلسطينية محمود درويش: «لو يعرف الزيتون غارسه لصار الزيت دمعاً.. سنظل في الزيتون خُضرته وحول الأرض درعاً».

عداء

لعل هناك من الأسباب ما يعزّز عداء الاحتلال لشجرة الزيتون، ما يجعله مصراً على اجتثاثها من الأرض الفلسطينية، إذ تقف الشجرة شاهداً على ساديتهم وإجرامهم ومجازرهم، فضلاً عن كونها شجرة معمّرة عاصرت كل الحقب ولفظت غزاة فلسطين منذ بدايات التاريخ، ما يجعل من غير المستغرب اجتثاث قوات الاحتلال أكثر من مليون شجرة، وحرق وتكسير المئات، إلى جانب فواصل الاعتداءات المستمرة على المزارعين في الموسم الحالي وسرقة محاصيلهم، من قبل مستوطني الكابوي، الذين أكثر ما يغيظهم ويزعجهم، شعار الفلسطينيين الدائم: «باقون.. ومنغرسون، كأشجار الزيتون».

موسم مجازر

ارتكبت قوات الاحتلال، في موسم الزيتون، ثلاثاً من أبشع المجازر ضد الفلسطينيين، بدءاً من مجزرة قبيا، في الرابع عشر من أكتوبر 1953، وأسفرت عن 67 شهيداً ومئات الجرحى، مروراً بمجزرة كفر قاسم في التاسع والعشرين من الشهر ذاته من العام 1956، وأفضت إلى 49 شهيداً ومئات الجرحى، وليس انتهاء بمجزرة الأقصى الأولى صبيحة الثامن من أكتوبر 1990، إبّان الانتفاضة الأولى، وارتقى على إثرها 28 شهيداً وأعداد هائلة من الجرحى، في سلسلة مجازر ممنهجة، تؤكد كرههم للحياة، واستحالة تعايشهم مع هذه الشجرة، لأنها تُدينهم، وتكشف زورهم وبهتانهم، فتراهم يُصرّون على اجتثاث هذا الشاهد الحي، من أعماق الأرض.

Email