الطفل المعيل لذويه.. يعود شهيداً

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعفوية وبساطة، يمشي خالد بين أقرانه ويوزع عليهم الشوكولاتة، ويرسم ضحكة على وجوه أشقائه وأصدقائه. كان يلبس أجمل ثياب لديه، ورائحته الجميلة تملأ المكان. إنه ليس يوم عيد أو فرح لأحد أفراد العائلة، بل يوم ارتقائه شهيداً.

خالد الربعي طفل يبلغ من العمر 14 عاماً، استشهد برصاصات غدر إسرائيلية أثناء مشاركته في مسيرات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة، تاركاً خلفه حكاية وجع وألم في قلب والديه وصديقه يحيى.

الطفل خالد كان معيلاً للبيت، وقد ترك مقاعد الدراسة، وقرر مساعدة والده في إعالة أسرته، ولا يعرف أنه سينتقل إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر، ففي يوم استشهاده أبى الاستجابة للضغوط من أجل الاستيقاظ مبكراً والذهاب إلى عمله، وفضَّل البقاء في هذه الجمعة بين أشقائه وأصدقائه، وكأنه يلقي نظرة الوداع الأخيرة.

زار خالد جميع أصدقائه وكأنه يستعد لفراق الدنيا قبل ساعات قليلة من استشهاده، وقضى ساعاته الأخيرة برفقة أعز أصدقائه يحيى.. يتبادلان الحديث عن العمل والشقاء والفقر والتعب، فجأة طرح خالد على صديقه فكرة الذهاب والمشاركة في مسيرات العودة، ليردّ صديقه بالموافقة على الفور، وكانت تلك الإشارة الأولى للرحيل.

عشية الذهاب

رجع خالد إلى بيته وغط في نومه عاقداً نية المشاركة في مواجهة الاحتلال، ومع ساعات الصباح الأولى حاول والده إيقاظه مراراً حتى يذهب إلى عمله، وحينها كان الرد ببراءة الطفولة «لا أريد الذهاب اليوم إلى العمل فأنا أشعر بالتعب».

وبعد ساعة واحدة، استيقظ خالد وبدأ يلعب مع أشقائه ويمازح الجميع، ثم ترك المنزل متجهاً إلى السوق لشراء ملابس جديدة، وهذّب شعره عائداً إلى البيت مبتسماً في وجه أمه، قائلاً لها: «والله غير أوسّعها عليكم يا أمي». تناول وجبة الغداء بعد أن صلى الجمعة في المسجد وارتدى ملابسه الجديدة، وخرج بسرعة إلى الحافلة التي تنقل الشبان إلى نقاط المواجهة مع الاحتلال. وصل إلى منطقة ملكة حيث تدور الأحداث، وأصبح يتنقل من مكان إلى آخر قبل أن يلتقي بصديقه يحيى، وفور وصول يحيى ذهب إلى أحد الباعة، واشترى الحلوى ووزعها على أصدقائه مع ابتسامة جميلة ستظل خالدة في ذهن يحيى.

في الميدان

لحظات قليلة قضاها يحيى وخالد معاً قبل أن يتحرك خالد إلى منطقة أخرى من المخيم هارباً من الغاز المسيل للدموع وصوت الرصاص، وفي تلك اللحظة أصيب برصاصة قناص في صدره، ثم رصاصتين في خاصرته. أصبحت الدنيا في وجه يحيى سوداء من دخان الكاوتشوك، وأصيب بالصدمة وهو يرى الدماء تغطي صديقه خالد، دون أن يتمكن من فعل شيء.

لحق يحيى بصديقه إلى النقطة الطبية في مخيم ملكة التي نقلته على الفور بسيارة الإسعاف إلى مستشفى الشفاء لخطورة حالته، وبقي يحيى يبكي إلى أن غادر أرض مخيم العودة. وما إن وصل إلى البيت حتى أُعلن عن استشهاد خالد، حينها فقد يحيى صوابه وبدأ يذرف الدموع ألماً على الفراق.

في المنزل

في بيت خالد، كانت القصة مروّعة حين بكت والدته اليد الثانية بعد الزوج. تقول الأم المكلومة: «خالد طفل، ولكنه كما الرجال وأكثر، كان يذهب في كل صباح إلى عمله وقد تحمّل المسؤولية، وكان يعود لنا بأنواع من الفواكه والخضراوات».

أما صديقه يحيى فيقول: «كان خالد يأمل ويحلم كغيره من الأطفال أن يجد الحرية، وأن يمارس ألعابه من دون أن يفقد روحه، لكن قوات الاحتلال لا تفرّق بين طفل وشاب وامرأة».

كلمات دالة:
  • الدراسة ،
  • العودة،
  • مسيرات ،
  • الشوكولاتة،
  • خالد الربعي
Email