ينابيع المياه في مرمى الاستيطان الإسرائيلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يتورّع الاحتلال الإسرائيلي يوماً عن سلب كل ما هو فلسطيني، إذ أقام كيانه على الأراضي التي احتلها في عام 1948، ثم امتد نهبه وسلبه إلى الأراضي المحتلة عام 1967، فأقام عليها المستوطنات والمعسكرات، وغيّر معالمها بالطرق العنصرية الاستيطانية «الالتفافية»، التي يمنع الفلسطينيين من استخدامها، ثم أقام البؤر الاستيطانية، قبل أن يبدأ بشرعنتها - مع العلم بأن العالم يعتبر الاستيطان في الضفة الغربية ومناطق الـ 67 عموماً غير شرعي برمّته - حتى بات أكثر من 88 في المئة من فلسطين التاريخية بيد إسرائيل، وحوصر الفلسطينيون في الـ 12 في المئة المتبقية.

وتجاوز ذلك إلى السطو على تاريخ الفلسطينيين وهويتهم وتراثهم، فلم يسلم «الثوب الفلسطيني» وحتى «الحمص والفلافل».

ولأن إسرائيل كيان عنصري توسعي كولونيالي، بدأ المستوطنون خلال الأعوام الأخيرة، وبرعاية وتنسيق وحماية من قوات الاحتلال، بحملة لوضع اليد على ينابيع وعيون الماء الواقعة ضمن نطاق القرى والمدن الفلسطينية، وحرموا الأهالي من استخدامها، أو حتى الوصول إليها، وحوّلوها إلى «منتجعات» ومسابح لهم، ومرتعاً لمواشيهم، على مرأى ومسمع من الفلسطينيين الذين حاولوا المقاومة بما أوتوا من قوة، لكنهم أخفقوا في مواجهة عدو متغطرس مدجج بأعتى أنواع الأسلحة، ويقف متنفذون في العالم خلفه في مواجهة الضحية.

ويرى العديد من الفلسطينيين أن هذا الخطر بات ماثلاً أمامهم ويهددهم في أهم مقوّمات حياتهم ومعيشتهم، هو الماء الذي امتدت إليه يد المحتل، حتى وإن كان في عقر دارهم.

تأهب وانقضاض

وعلى سبيل المثال لا الحصر، في قرية «النبي صالح»، إلى الشمال الغربي من مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية، وضع مستوطنون أيديهم على نبع «واد ريّا»، الذي يخدم القرية وقرى مجاورة، بينها «دير نظام».

ويقول الأهالي أن ذلك أتى بعد أن كان المستوطنون يتسللون إلى النبع خلسة، ويلهون ويسبحون فيه، ثم تطوّر الأمر إلى أن يأتوا في وضح النهار بحماية جنود الاحتلال، بعدها تجرأ المحتل على غلق الطريق الرئيس الذي يخدم قرى عدة في المنطقة، ويمر قرب العين المذكورة، تحت ذريعة إقامة الطقوس التلمودية، أو الاحتفال بالأعياد اليهودية، ليتفاجأ الأهالي أن أصبح ممنوعاً عليهم الانتفاع بعين الماء خاصّتهم، أو زرع محاصيلهم في منطقة العين المصادرة، بحسب ما يؤكّدون.

هذا يحصل في غير مكان بالضفة الفلسطينية المحتلة، ففي بلدة «قريوت» جنوبي نابلس، شمالي الضفة، اقتحم مستوطنون منطقة «نبع سيلون»، بحماية قوات الاحتلال.

هذه الاقتحامات تتكرر على مدار العام من مستوطني «شيلو» المقامة على أراضي القرية والقرى المجاورة، بذريعة أداء طقوس دينية، لكن الأهالي يتخوّفون من أن تكون هذه الاقتحامات مقدمة لوضع اليد على «نبع سيلون»، وهو نبع كنعاني أثري.

هذا ما يحدث مع الكثير من الينابيع والأماكن والمقدسات التي تكون في دائرة أطماع المحتل، أو أنهم يتخذونه «مسمار جحا»، في مقدمة لطرد الفلسطينيين منه، مثل ما يحدث الآن مع المسجد الأقصى المبارك، والحرم الإبراهيمي الشريف، و«قبر يوسف» وغيرها من المواقع.

«عبرنة»

ونشير إلى أن المستوطنين سيطروا خلال السنوات الأخيرة على عدد كبير من الينابيع، وخاصة القريبة من المستوطنات، أو التي تقع خلف جدار الفصل العنصري، وعملوا على تغيير أسمائها العربية إلى أسماء «عبرية»، ومنعوا وصول الفلسطينيين إليها، بالتهديد والترهيب، وبتسييجها أو ضمها لنطاق المستوطنات القريبة.

Email