لا تزال القراءات تتوالى في محاولات تحليل أسباب ونتائج زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لروسيا ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين على هامش معرض ماكس الدولي للطيران والفضاء.
وينبع اهتمام المراقبين من أن الزيارة العاجلة لأردوغان، والتي لم تكن مقررة مسبقاً، جاءت على ضوء تطورات خطيرة وبالغة الحساسية والدلالات في المشهد الميداني في سوريا، ما يضع شكل الزيارة وتوقيتها في إطار مأزق دخلت به الأجندة التركية بشكل شبه مفاجئ، فبعد ما يصفه كثير من المراقبين الروس بانهيار تفاهمات الجولة 13 في أستانة، إثر رفض المعارضة المسلحة المدعومة من قبل تركيا الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، بدأت موازين القوى تميل بشكل حاد، بعد أن اتخذ الجيش السوري قرار الحسم في إدلب، وسيطر بعملية عسكرية خاطفة على بلدة خان شيخون الاستراتيجية.
جاءت زيارة أردوغان السريعة إلى موسكو، لتتصادف مع إقامة معرض ماكس للطيران والفضاء، وفي الوقت ذاته شكل غطاءً لها، كما قال لـ«البيان» الكاتب السياسي الروسي، فيكتور لاشون، موضحاً أن ما بعد أستانة 13 لن يكون كما قبله، فموسكو ضاقت ذرعاً بالمماطلة التركية، بل في عدم تنفيذ مخرجات لقاءات سوتشي وأستانة، بما في ذلك الفصل بين الجماعات المتطرفة والمعتدلة، ومناطق خفض التصعيد واللجنة الدستورية.
وكشف عن زيادة واضحة في جرعة الدعم الذي تقدمه موسكو لدمشق، عبر فصل دقيق بين صفقات الأسلحة مع تركيا، كما مع منظومة إس-400، ومن جانب آخر، تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل بإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، والذي تشير المعطيات، برأيه، إلى أنه لن يتحقق دون سحق الجماعات الإرهابية في سوريا بشكل نهائي.
وحول الأسلوب الذي اتبعه الكرملين في التعاطي مع «العقدة التركية»، قال لاشون إن موسكو مهدت بشكل تدريجي للانتقال من التكتيكات الموضعية والآنية ميدانياً وسياسياً، إلى الدخول في مرحلة الحسم النهائي، بعد أن وضع المسؤولون الروس النقاط على الحروف لتأكيد الحقائق الجديدة، عبر رفض أية تغييرات تمس وحدة وسيادة الأراضي السورية، وحديث وزير الدفاع سيرغي شويغو عن وجود صعوبات تعترض تنفيذ التفاهمات حول إدلب، والمنطقة منزوعة السلاح، والتوتر الذي يرافق العمل (مع تركيا) في مناطق خفض التصعيد.
ورداً على سؤال حول مصير مشروع المنطقة الآمنة التي تصرّ تركيا على إقامتها، لم يستبعد الخبير الروسي أن تلقى المصير نفسه الذي واجهه اتفاق منبج بين تركيا والولايات المتحدة، والذي بقي حبراً على ورق، نتيجة تمكن دمشق وموسكو من إعادة خلط الأوراق، عبر إضعاف رهان أردوغان على المجموعات الإرهابية التي يدعمها.