هناء.. رضيعة ودّعت الحياة ثمناً لتشريد الاحتلال عائلتها

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تتمكن الطفلة هيام كعابنة (14) عاماً، من اللهو مع شقيقتها الرضيعة «هناء» وقضاء أوقات ممتعة معها في عيد الأضحى المبارك، كما كل الأطفال في هذه المناسبة، التي من المفترض أن تكون سعيدة ومفعمة بالفرح، بل إنها عجزت حتى عن الاعتناء بها وحمايتها، بينما كانت تصارع الموت، أثناء تنقل عائلتها من مكان إلى آخر، بحثاً عن مأوى جديد، بعد أن هدم الاحتلال مسكنها، وشرّدها في العراء، وتركها تحترق تحت شمس الأغوار اللاهبة.

وفي حين كانت رواية الأديب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني «رجال في الشمس» تصف تداعيات النكبة الفلسطينية، وأبرزها التشريد واللجوء، فإن رواية عائلة الكعابنة تصف نكبة «أطفال في الشمس» وتقدم نماذج جديدة للجوء، وفصولاً متجددة للتشريد.

عشية عيد الأضحى المبارك، وبينما كانت الاستعدادات جارية للاحتفال بهذه المناسبة، كانت معاول الاحتلال تهدم منزل عائلة الكعابنة في قرية الجفتلك بالأغوار الفلسطينية، تاركة هذه العائلة المنكوبة تشق طريقها نحو مصير مجهول، وهي تحاول عبثاً الاستقرار في مكان يتوفر فيه الأمن والأمان، ويكون بعيداً عن رماية قوات الاحتلال، التي حولت المنطقة إلى حقول ألغام، ومعسكرات للتدريب والمناورات العسكرية.

ماذا تقول عيون هناء، الطفلة الرضيعة، ذات الثلاثة أشهر، التي رأت فيها كل أشكال القهر والعذاب؟.. فحكاية المكان تعنونها روح أهله وأصحابه، بوضوح لا يحتمل التأويل، «أن هذه الأرض لنا، وإن مرّت عليها مجنزراتكم ودباباتكم».

أطفال ولكن..

«كيف أروي لكم ما حدث؟!»، يقول ناجح كعابنة، والد هناء، مبيناً أن الأطفال لا يفهمون كل هذا الغضب والحقد والعنجهية التي تمارسها قوات الاحتلال بحقهم، «ما ذنب هؤلاء الأطفال؟ جاء العيد ورحلت هناء، وتركتنا نتوجّع، الفرحة لن تدخل بيتنا بعد اليوم، هؤلاء أطفال ولكن.. (لم يتمكن الوالد المكلوم من مواصلة حديثه لـ«البيان» عبر الهاتف).

جنود الاحتلال المدججون بالعنصرية ضد ما هو فلسطيني لم يلتفتوا إلى مناسبة العيد، كي يؤجلوا فعلتهم الشنيعة لبعض الوقت، بل أكدوا تجرّدهم من كل ما يمت للإنسانية بصلة، فهدموا مسكن عائلة الكعابنة، وألقوا بها في العراء، وتركوها تواجه الشمس الحارقة في الأغوار، في ظل أجواء حارّة تجتاح فلسطين والمنطقة، ويشتد لهيبها في المناطق الغورية.

عبثاً حاولت هيام أن تحمي شقيقتها الرضيعة، بينما انهمك الوالدان في مقاومة جنود الاحتلال، ومحاولة منعهم من هدم المسكن، وضعت هيام شقيقتها في ظل برميل للمياه، وحاولت حجب أشعة الشمس عنها بجسدها النحيل، لكنها لم تفلح في ظل درجات الحرارة العالية في العراء، لم يكن الظل كافياً، لتلفظ هناء أنفاسها الأخيرة، وتفيض روحها إلى السماء.

عائلة كعابنة تعبت من البحث عن الاستقرار والأمن، فما تلبث أن تستقر في منطقة، حتى تعاجلها قوات الاحتلال بالهدم والتشريد، فبعد هدم منزلها في منطقة الحديدية في الأغوار، لجأت العائلة إلى الجفتلك، لكنها لم تستقر في المكان أكثر من شهر، إذ شرّدتها قوات الاحتلال من جديد، بحجة أن السكن في منطقة عسكرية مغلقة!.

رحلت هناء عن الدنيا دون الاستمتاع بالحد الأدنى منها، بتركها وشأنها، تنمو وتكبر في مسكن من الصفيح، ورحلت عائلة كعابنة إلى محطة عناء هي الرابعة من نوعها، فيما آثار «القدم الهمجية» ظلت بادية في الجفتلك، بعد هدم المنزل، وجرف حظيرة الأغنام، ومصادرة الخيام.

كلمات دالة:
  • الاحتلال،
  • عيد الأضحى،
  • هيام كعابنة ،
  • هناء
Email