عبدالرحمن.. تحدى اللغم وصنع ساقاً بديلة

■ عبد الرحمن الرزق في منزله

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن أمام عبد الرحمن خليف الرزق من أهالي بلدة الكشكية في ريف دير الزور الشرقي بسوريا، إلا مواجهة الحياة بكل قساوتها والتغلب عليها من أجل أن تعود ساقاه إلى سطح الأرض بعد أن فقد إحداهما بألغام زرعها تنظيم داعش في مناطق شرق الفرات، فعلى الرغم من نهاية التنظيم بشكل كامل، إلا أن سمومه ظلّت تحت الأرض تحصد الأرواح تارة والأعضاء تارة أخرى.

رواية عبدالرحمن الذي فقد ساقه اليسرى، تختصر الألم المستدام لدى أهالي شرق الفرات الذين ما زالوا خارج حسابات العالم. لقد كان ثمن إنهاء «داعش» بالنسبة لهم كبيراً كلّفهم النزوح، والدمار الذي لحق بمنازلهم وديارهم وانتهى بالألغام التي ما زالت تحصد الأرواح.

عاد عبدالرحمن بعد نهاية «داعش» إلى بلدته وظن أن الحياة أقبلت عليه وسيكون هناك نوع آخر من الأمن والاستقرار، وما إن ولج منزله المتهاوي أصلاً حتى انفجر تحت قدميه لغم تطايرت على إثر ساقه اليسرى، لتكون هذه أو الخسائر.

بلا تخدير

يقول عبدالرحمن لـ«البيان»: حتى المستشفيات في تلك المنطقة لم تكن قادرة على خياطة الجرح، فيما كنت أتلوّى من الألم، ولا أعرف كيف مرت الساعات، ولا كيف تحمّل جسدي كل ذلك الألم. ونتيجة فقر الإمكانات الطبّية في الكشكية جرت العملية الجراحية لوقف النزيف من دون تخدير حتى فقدت الوعي.

بدأت مأساة عبدالرحمن بعد نهاية الألم الجسدي وبدء المعاناة النفسية، ذلك أن الشاب المقبل على الحياة لم يعد قادراً على الحركة ولم تكن لديه القدرة المادية على العلاج أو جلب أطراف صناعية سواء في داخل البلدة أو خارجها، فالبلدة الحديثة التحرر من «داعش» بالكاد يوجد فيها مستوصف طبي.

يقول: قرّرت الخروج من حالتي والاعتماد على ذاتي من أجل إكمال مشوار حياتي، فمن ينتظر لن يتمكن من الحياة، ومكث ثلاثة أشهر وهو يعكف على صناعة أطراف صناعية، وبعد ثلاثة أشهر خرج عبدالرحمن بأطراف صناعية بلاستيكية خالية من المعدن بتكلفة 10 دولارات، وبدأ بتصنيع هذه الأطراف وبالفعل تحقّقَ له طرف صناعي اصطناعي بكلفة غير متوقعة.

مهنة مجانية

لم يتوقف عبدالرحمن الذي ذاق طعم العجز عند صناعة الأطراف لساقه اليسرى، فكان منه البحث عن كل الذين فقدوا أطرافهم نتيجة الألغام. وبعد البحث وجد نتائج كارثية مذهلة في بلدة الكشكية، فهناك المئات من الشباب بترت ساقهم نتيجة الألغام، وقرّر حينها الاعتماد مرة أخرى على إمكاناته والبدء بصناعة المزيد من الأطراف، وكان أن صنع عشرين ساقاً اصطناعية لشبان البلدة، وهو مازال يمتهن هذه المهنة مجاناً.

حال الكشكية ينسحب على العديد من المناطق التي ذكرها داعش وزرع فيها الألغام، ففي بداية الشهر الحالي عاد أهالي حوض الفرات في ريف البوكمال إلى مناطقهم رغم التحذيرات من خطورة العودة من دون مسح الألغام، كانت النتائج كارثية، إذ وقع الكثير بين قتيل وجريح في قرى السوسة والشعفة والمراشدة، وفقد الكثير من الشباب والأطفال أطرافهم.

العودة والألغام

ويقول هلال المشعان من أهالي المراشدة؛ كانت العودة إلى ديارنا قمة السعادة، إلا أن كابوس الألغام اختطف هذه السعادة، فبات العشرات من الشباب من دون ساق، أما الأصعب من ذلك هم الأطفال الذين قضى بعضهم بالألغام والآخر فقد ساقه، من دون أدنى مستوى من الرعاية الصحية، فكل مناطق شرق الفرات في دير الزور لا تمتلك مركزاً لصناعة الأطراف.

أما أم شعاع فتقول إن ابنتها فقدت ذراعها وعـــينها بعد أن دخلت بيتها لتتفاجأ بانفجار لغم كان في إحدى الخزائن، حيث دسه التنظيم عقب هزيمته في الغرف الخاصة، لتقع ضحية الإجرام الداعشي.

النزيف لا يزال مستمراً في تلك المناطق، موتاً أو فقداناً للأطراف، ويناشد الأهالي في تلك المناطق المنظمات الإنسانية أن يكون لهم يد في مساعدة كل المتضررين من الألغام، حتى يكملوا حياتهم كما الآخرين.

Email