محمد العراقي كفيف يعبر الظلام بجناحي الإرادة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كيف هو ذلك الشعور، أن تتوه في عالم لا تدركه؟ أن لا تحتفظ سوى باللون الأسود في عينيك، أن يضيق فيك كونٌ بأسره ويحصرك في مساحة تمتد على قدر امتداد يديك، أن يأخذك الخوف بعيداً نحو حياة لا تحمل أي ملامح. أمّه التي جمعت كل ذلك التعب في ملامح وجهها ونبرة صوتها، تدرك بأنّ عتمة عيني محمد تنمو داخل قلبها فتكسره.

محمد قرّر أن يعبر الظلام، وأن يطلّ على الدنيا ببصيرته ليستطيع رؤية معالم مستقبله. لقد أدرك بأنّ الشجاعة وحدها من تلعن الظلام، وأنّ خوفه الذي جعله يخبئ نفسه عن الدنيا لن يجلب له سوى الوحدة. إنه محمد العراقي ابن التاسعة ربيعاً، الذي ولد كفيفاً لكنّه أصر أن يرى العالم بطريقته الخاصة؛ فلم يشأ أن يبكي في ظلام وحدته، بل أراد أن يضيء شمعة تلو الأخرى؛ هذه الشمعة ما هي إلا القراءة التي وجدت فيها ضالته، بعد أن أجادها بطريقة برايل.

إرادة الحياة

يقول محمد «أمي كانت عيني التي أرى بها الدنيا، علمتني كيف أواجه الحياة، وألا استسلم، وأن كل شيء مكتوب ومقدر، وعلى الإنسان أن يسلم أولاً ثم ينطلق إلى الحياة وكله عزيمة وإصرار أن يتحدى العقبات مهما كانت». ويضيف محمد: كانت العقبة الأولى أمامي أن أتجاوز اللون الأسود الذي كتب علي فكانت الموسيقى والقراءة اللتان وجدت فيهما ألوان الحياة ومباهجها، فكنت أهرب من الليل الحالك إلى الاستماع تارة إلى الموسيقى العربية وخصوصاً أغاني الزمن الأول في العراق، وتارة بالقراءة التي عرفتني على نماذج مثلي حققوا المستحيل عربياً وعالمياً.

علامة مضيئة

وتقول والدة محمد: كان أصعب شيء أن أجد الأطفال يلعبون ويمرحون وابني وحيداً يتحسس جدران الحياة بمفرده، تركته أولاً بمفرده حتى يتعوّد الاعتماد على نفسه وها هو اليوم أصبح بارعاً في دراسته ويأمل أن يكون علامة مضيئة تنير الطريق للآخرين. يعترف محمد أن الطريق أمامه لا يزال صعباً، لكنه ليس مستحيلاً، وأن صباح الأمل سيشرق وإن طال ليل اليأس والإحباط، ويتساءل: هل يمكن لعتمة العينين أن تهزم نوراً يضيء القلب؟

Email