طهـران وبغـداد.. علاقـة فـي مرمـــى نيـــران «الهــاون»

القوات العراقية - أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدت محاولات إنقاذ العراق من وحل التوتّر الأمريكي الإيراني مهمة أقرب إلى المستحيلة، في أعقاب محاولات طهران المستميتة لجعل العراق أرضاً لمعركة بالوكالة عنها مع واشنطن، مستخدمة بعض الميليشيات التي تدين لها بالولاء.

ولعل اعتماد طهران على أسلوب الحرب بالوكالة في تصدير «ثورتها»، أوقعها في حلقة المسؤولية عن أي تصرف قد يكون منفلتاً من وكلائها ويصعب أي محاولة، للتخلص من الإدانة، التي تقوم بها، لأن مراقبين يقولون إن إيران ضالعة بالفعل في تصرفات الميليشيات الموالية لها في العراق وهجماتهم المتقطعة على مصالح أمريكية في العراق باعتبار أن أهم ما يميز نظام طهران هو تعدد مصادر القرار.

وفي هذا السياق، أصدر «تحالف الفتح»، الذي يضم فصائل من «الحشد الشعبي» موالية لإيران، بياناً بشأن استهداف المنطقة الخضراء والجادرية وقاعدة بلد، بالصواريخ وقذائف الهاون قبل أيام، عبر فيه عن «قلقه البالغ من إطلاق عدد من قذائف الهاون والصواريخ باتجاه المنطقة الخضراء، حيث مقر السفارة الأمريكية، وقاعدة بلد العسكرية، ومنطقة الجادرية»، مبيناً أنه «بناء على ما يتوفر من معطيات، فإن هنالك أيدي مجرمة عابثة لا تريد الخير للعراق وشعبه تقف خلف إطلاق هذه المقذوفات».

هجمات من مناطق الحشد

لكن المتابعين، يرون أن إيران اختارت العراق كحلبة مفضلة لخوض صراعها مع الولايات المتحدة، وهناك دلائل واضحة على ذلك، منها إطلاق صاروخ على السفارة الأمريكية في بغداد من شارع 52 بالقرب من الجامعة المستنصرية.

وبعده تسليم أحد الفصائل المسلحة الحليفة لإيران رسالة تهديد لرئيس مجلس النواب العراقي يرسلها إلى المعنيين في الإدارة الأمريكية، ثم استهداف قاعدة بلد بأربعة صواريخ، ثلاثة منها سقطت على مركز القاعدة، بينما الصاروخ الرابع لم ينفجر، وقد أطلقت هذه الصواريخ من قضاء يثرب في محافظة صلاح الدين، وكل المناطق التي انطلقت منها الهجمات تقع تحت سيطرة الحشد الشعبي.

وبحسب وحدة الدراسات العراقية، في مركز الروابط للبحوث ، ربما اعتقد مطلقو تلك الصواريخ أنهم يستهدفون المصالح الأمريكية في العراق، ولا يعرفون أن قاعدة بلد هي قاعدة عسكرية عراقية وليست أمريكية، ففي هذه القاعدة توجد طائرات إف 16 التي تعود ملكيتها للقوات القوية الجوية العراقية، ويوجد بها مقر شركة لوكهيد مارتن الأمريكية.

وهي أكبر شركة للصناعات العسكرية في العالم وتتخذ من قاعدة بلد مقراً لها في العراق، كما تقدم الخدمات للخبراء والفنيين العراقيين في المجال العسكري، كما توجد في هذه القاعدة الشركات الأمنية الأمريكية والدعم اللوجستي «الإمداد والنقل» المتعدد الجنسيات، ويشرف على قاعدة «بلد» قائد عسكري عراقي. وبحسب المعلومات المتوفرة، استطاعت القوات العراقية اكتشاف عدد من القواعد الصاروخية في منطقة قريبة من ناحية التاجي الواقعة ما بين بغداد وسامراء.

خيار التصعيد العسكري

وفيما تؤكد أطراف إيرانية، أن العراق يمثل «رئتها الاقتصادية»، وليس مصلحتها توقف تلك الرئة، إلا أن ما يزيد من خطورة الأمر، هو الجناح المتشدد في إيران، الذي يصر على أنه لن يبقى مكتوف الأيدي في الوقت الذي يرى الاقتصاد الإيراني يمر في حالة اختناق، وهذا الاختناق بالتأكيد سيضر بالأنشطة الخارجية العسكرية.

لذلك فإن خياره الوحيد التصعيد العسكري ضد المصالح الأمريكية في المنطقة وبالعراق، لكن الولايات المتحدة الأمريكية، بما تملكه من خبرة عسكرية واسعة، لم تنجر إلى النزاع العسكري المباشر، وتؤكد أن على إيران والجناح المتشدد بها أن يدركا بأن الأعمال التي يقوم بها حلفاؤها في العراق وفي المنطقة، كاستهدافهم ناقلات النفط، تعزز من مكتسبات الموقف الأمريكي دولياً، لأن الدول الكبرى ترفض المساس بأمن العراق، وأمن ناقلات النفط، كما أنها ترفض أي تهديد للملاحة الدولية، وهذه الأعمال تظهر إيران بأنها دولة تهدد السلم والأمن الدوليين.

الخطر الكامن

وترى وحدة الدراسات العراقية، أن العراق يسعى لتجنب ويلات الصراع الأمريكي الإيراني، وأنه يحرص على ألا يكون حلبة ذلك الصراع، وأن على صانع السياسة في إيران أن يراجع سياسته إزاء العراق، لعل تلك المراجعة تأتي بنتيجة إيجابية، وعند المراجعة عليه أن يتذكر أنه ليس من مصلحة إيران أن تستخدم العراق كورقة ضغط ضد واشنطن. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: لماذا تصر إيران إذا كانت تنظر إلى العراق كحليف على خسارته؟ وهو الذي يمثل ركناً أساسياً في دعم الاقتصاد الإيراني، وبينما تقدم إيران الدعم المالي واللوجستي لحلفائها في المنطقة، فما هي الحكمة من خسارة العراق؟

ويؤكد المتابعون للشأن العراقي والإيراني، أن النظام في طهران، ولا سيما الجناح المتشدد فيه، عندما يجد نفسه محاصراً حد الاختناق، لن يكون خياره حسب رؤيته سوى تطبيق سياسة «عليّ وعلى أعدائي وأصدقائي»، وهنا يكمن الخطر المؤكد.

Email