«أم يوسف».. سورية تتحدى شظف العيش بالأمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أحد الشوارع الشعبية من العاصمة الحزينة دمشق، تقف سيدة بالقرب من دراجة قديمة مغطاة بغطاء أزرق اللون يشبه لون مخيمات اللجوء، فيما تبدو ملامح التعب على وجهها، تحكي قصة نزوح ومرض وحرمان لا تنتهي.

أم يوسف، كما عرفت نفسها في حديثها لـ«البيان»، تتحدث ملخصة قصة الكفاح لنساء سوريا خلال سنوات الحرب، وماذا صنعت الحرب بالمرأة السورية.

هي امرأة مهجرة من منطقة حرستا في ريف دمشق ومقيمة في أحد الأحياء الفقيرة بدمشق، وجدت نفسها خلال الحرب فجأة ضمن مسؤولية كبيرة لا تقوى عليها، فهي لم تكن مستعدة لها ولا حتى مؤهلة لمثل هذه الحالة التراجيدية التي خلفتها الحرب، فأم يوسف لم تتعلم مهنة أو تحصل على شهادة جامعية، وكانت حياتها في السابق محصورة بمهماتها المنزلية وتربية الأبناء فقط، ولكن الحرب أفقدتها زوجها ومنزلها وحولتها لنازحة تبحث عن الأمان والاستقرار مع عائلتها، فضلاً عن تأمين قوت يومهم في ظل ارتفاع خانق للأسعار والتداعيات الاقتصادية للحرب.

تغيرت حياة أم يوسف بشكل جذري، فأصبحت في عالم آخر لم تعرفه أو تسمع عنه من قبل، إنه عالم تحمل المسؤولية الصعبة، فهي تخرج في كل صباح من منزلها تتجه لمحل الحلويات وتشتري بعض الحلويات الشعبية، ثم تنتقل بدراجتها الهوائية وتختار مكان لها في أحد الشوارع المزدحمة وتنتظر الرزق من الله، تمضي ساعات طويلة وهي على هذا الحال، وتعود في المساء إلى منزلها بعدما فرغت من بيع بضاعتها وهي مطمئنة نوعاً ما لأنها وفرت لأولادها الثلاثة بعض مصاريفهم.

تقول أم يوسف لـ«البيان»: «الوضع اليوم لا يرحم، فمصاريف تعليم الأطفال وطعامهم وإيجار المنزل كبيرة جداً، وتحتاج للكثير من التعب والجهد لتأمينها، وأنا لوحدي ضمن هذه الظروف الصعبة، ولا أجد معيناً سوى الله تعالى»، وتشير إلى أن غالبية أفراد عائلتها وأقاربها تعرضوا لظروف صعبة تشبه ظروفها، فبعضهم توفي وبعضهم سافر بحثاً عن فرصة أفضل خارج البلاد، لهذا لا يمكنها الاستعانة بأي أحد منهم.

لا تنتهي رحلة عناء أم يوسف اليومية، مع حلول المساء، والتوجه لمكان إقامتها. ففي المنزل المتواضع، هي الأم والأب، وبمجرد وصولها عليها المباشرة بمسؤولياتها وواجباتها في تحضير الطعام وإطعام الأولاد، وأيضاً تنظيف المنزل، وتقول إن اهتمامها ينصب على عائلتها الصغيرة، وتتمنى أن تكون على قدر المسؤولية التي وُضعت فيها بعد وفاة زوجها.

خلال حديثها، لفت نظرنا ارتداؤها لقفاز أسود، أوضحت لنا بأنها ترتديه لتخفي يدها التي خسرت أصابعها، خلال عملها بأحد المطاعم، وتشرح بأنها في بداية رحلة نزوحها أخذت تبيع «الترمس» بالشارع على صينية، ثم انتقلت للعمل في مطعم، وهناك تعرضت لحادث أفقدها أصابعها، فقررت العودة ثانية للمهن المتنقلة، وبدأت بالعمل على عربة تجرها من مكان لآخر، ولكن بسبب وضع يدها وعدم قدرتها على دفع العربة، استبدلتها بدراجة.

تأسف أم يوسف للعمر الذي خسرته وللظروف المؤلمة التي تعيشها، ولكنها تضع أملها في أولادها الصغار حتى يكبروا، وتتمنى لو تتوفر لهم ظروف أفضل من التي يعيشونها اليوم، كما تتمنى الحصول على دخل يكفي معيشتهم ويغنيهم عن سؤال الناس.

لا تنكر أم يوسف تعاطف الناس معها حينما يرونها في الشارع واقفة بالقرب من دراجتها، ولكن تعاطفهم لا يترافق دائماً مع تفاعل معها وشراء لبضاعتها، وهي تعلم بأن الحرب طالت الجميع والظروف المادية الصعبة لم ترحم أحداً. وتختتم حديثها بالقول؛ لم يعد البشر كما كانوا في السابق، فحجم المأساة في سوريا كبير، وحالتي ليست الوحيدة المؤلمة، فهناك الآلاف من الآلام في سوريا، لكن لا أحد يرى إلا ما يريد.

 

كلمات دالة:
  • دمشق،
  • سورية،
  • الحرب،
  • الطعام
Email