غزة تتسحّر على القصف وتفطر على الدموع

ت + ت - الحجم الطبيعي

يستعد أهالي غزة لاستقبال رمضان اليوم بالطريقة التي ترسمها نار الاحتلال وصمت العالم. كانوا يعلقون الزينة على ما نجا من جدران، حين باغتهم قصف إسرائيلي على قطاع أنهكه الحصار. منذ الجمعة تشهد واحدة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية وفقراً وقهراً، موجة جديدة من عدوان يستهدف كل شيء ولا يستثني الرضع. ثمانية أكثر من عشرين شهيداً ومئة جريح، سقطوا منذ الجمعة حتى لحظة كتابة هذه الحروف.

خلال الأشهر القليلة الماضية، عملت مصر في كل مرة للتوسّط، وفي كل مرة يجري التوصل إلى تفاهمات أو اتفاقات تهدئة تشمل وقف القصف المتبادل، وتسهيل الاحتلال الحركة عبر المعابر، والتزامه بمساحة الصيد المتاحة للصيادين في بحر غزة، فضلاً عن عدم استهداف الصيادين وقواربهم بالقصف بين الحين والآخر.

لكن إسرائيل «متعوّدة دايماً» على عدم الوفاء بالاتفاقات واحترام الوسطاء. وهي تماطل في تنفيذ ما تفرضه عليها الاتفاقات والتفاهمات، وهي تتعمد جعل دخول البضائع إلى غزة «بالقطارة»، كما أن إمدادات غزة بالكهرباء ما زالت بأدنى مستوياتها.

أمام الصلف الإسرائيلي والتخلي المطلق من جانب المجتمع الدولي عن أهل غزة، لم يجد هؤلاء سوى التظاهر السلمي في محيط القطاع. لكن إسرائيل تواجه هذه التظاهرات بالنار المركزة، وقد استشهد مئات المتظاهرين العزل، منهم من قضى على كرسي متحرك، ومنهم مسنون ومرضى وممرضون.

في الأشهر الماضية، جرت جولات من عدوان إسرائيل التي أبدت فيها نوعاً من التحفظ التكتيكي المدروس، خشية الدخول في مواجهة شاملة لا تريدها لحساباتها الخاصة، بما في ذلك الكلفة البشرية في صفوف جيشها ومستوطنيها، لكن هذه المرة واضح أنها ترفع سقف الحسابات، لمستوى الإيلام وتحت خط المواجهة الشاملة.

وذلك لأن دماء الفلسطينيين، تدخل دائماً في بورصة الانتخابات الإسرائيلية، ثم حسابات التشكيل الحكومي. وفي هذا السياق، يسعى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو لاستمالة القوى الأشد يمينية لدخول تشكيلة الولاية الخامسة له، على حساب التيار الوليد والمنافس بقوة «أرزق أبيض».

ومن المرجّح أن يتجه الاحتلال إلى توسيع العدوان الحالي على غزة، لكن بحسابات لا تخرجه من المحدودية الزمنية، مع عدم استبعاد تدحرج كرة الثلج، أو بالأصح كرة النار، لأن الميدان ومجريات الصراع، ليست بيد نتانياهو وحده. وفي كل الأحوال، تتسحر غزة فجراً على القصف، وتفطر مساء على الدموع.

 

Email