تقارير «البيان»

السودان.. الخلافات تفتح الخيارات على كل الاحتمالات

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن الساحة السياسية السودانية المحتقنة موعودة بالمزيد من الانقسام في ظل الخلافات التي ضربت قوى الحرية والتغيير بشأن إدارة الفترة الانتقالية، ومن المتوقع أن تتطور تلك الخلافات في مقبل الساعات إلى انقسامات في التحالف ذي الكُتل الحزبية المتباينة في الرؤى والأفكار.

وإن كانت تلك الخلافات غير مستغربة بالنظر إلى الطبيعة التكوينية لتلك القوى، التي لم تكن قبل إعلان الحرية والتغيير سوى كتل متنافرة توحدت إرادتها حول إسقاط النظام فقط كهدف مرحلي (تكتيكي)، وتركت أمر ما بعد السقوط هدفاً لاحقاً، ومرد ذلك يعود إلى عدم ثقتها في قدرتها الذاتية على إسقاط النظام، فما كان منها إلا الالتفاف حول رؤية (الحرية والتغيير) التي طرحها تجمع المهنيين السودانيين الجسم الذي رأى فيه الشارع السوداني وخاصة شريحة الشباب القائد المنقذ في ظل انعدام ثقته في الأحزاب المعارضة وعجزها عن إحداث التغيير المنشود.

تحول

وكان الشعار حينها (تسقط بس) رفعه الشباب المحتجون وتبنته أحزاب المعارضة تحت مظلة تجمع المهنيين السودانيين، ورغم التحول الذي أحدثته قوى الحرية والتغيير في شكل الحراك الاحتجاجي وإضفاء الروح السياسية عليه، وتغيير مساره من العنف إلى السلمية، وقطع الطريق أمام الحكومة المعزولة التي كانت تسعى لاستمرار الحراك العنيف حتى تتمكن من احتوائه عبر الحلول الأمنية التي لا تملك غيرها، الأمر الذي جعل شعار السلمية سلاحاً فتاكاً من خلاله تمت هزيمة كل آلة النظام المخلوع المستخدمة.

ورغم الجهد الذي بذل من قبل قوى إعلان الحرية والتغيير مجتمعة في استمرار تحريك الشارع نحو إسقاط النظام، إلا أن المراقب بالعين المجردة الفاحصة، ينظر إلى ذلك التحالف الذي يضم خمس كتل تتمثل في (نداء السودان، الإجماع الوطني، تجمع المهنيين السودانيين، التجمع الاتحادي المعارض، والقوى المدنية)، بأنه ما هو إلا جسم وجد موجة السخط العام ضد نظام الرئيس المخلوع عمر البشير وامتطاها، أملاً منه في تحقيق هدفه الذي فشل في تحقيقه طوال الثلاث عقود الماضية، مع إغفاله للوسائل البديلة التي يمكنه استخدامها في حال سقط النظام.

فرص

وبحسب مراقبين أضاعت أحزاب قوى الحرية والتغيير الفرصة الأولى بعد سقوط نظام البشير، حينما تمت دعوتها من قبل المجلس العسكري لعقد أول اجتماع بعيد السقوط مع تأكيد المجلس على تسليم السلطة للقوى المدنية، ولكن تفاجأ المجلس الذي كان ينتظر من ممثلي قوى الحرية والتغيير، الأوامر بمطالب المعتصمين ورؤيتهم للفترة الانتقالية، بأن وفد الأحزاب جاء إليه طالباً ومترجياً لمنحه فرصة إعداد تصور للفترة الانتقالية رغم المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، وبذلك أضاع الوفد فرصة استغلال الشرعية الثورية التي تجعله هو الآمر وليس المتلقي للتعليمات.

وبعدها توالت الفرص المضاعة من قبل قوى إعلان الحرية والتغيير والتي حولت المجلس العسكري من شريك في التغيير يأتمر بأمر الشارع إلى سلطة يتفاوض الشارع معها لأجل استرداد حقه في السلطة، كما أن ما استشعره المجلس العسكري من أن القوى التي يتفاوض معها لم تكن على قلب رجل واحد.

ومن غير المستبعد أن يلجأ المجلس لإيجاد قناة تواصل مباشرة بينه وجموع المعتصمين لإزالة ما علق من شكوك، وبناء جسر للعبور إلى الضفة الأخرى متجاوزاً بذلك قوى الحرية والتغيير الغارقة في خلافاتها الداخلية، لا سيما وأن ساحة الاعتصام الآن مهيأة تماماً للسماع بشكل مباشر للمجلس العسكري بعد أيقن الكثير من المعتصمين بأن تداخلات أجندة الأحزاب هي العائق أمام انتقال السلطة، وبالتالي أي خطوة من قبل المجلس في ذلك الاتجاه يمكنها أن تحدث اختراقاً كبيراً لصالح المجلس، وبالمقابل تمثل ضربة قاضية للأحزاب المتناحرة بفقدها سند المعتصمين.

انتخابات

كما أن هناك خيارات أخرى للمجلس العسكري مطروحة بحسب مصادر على طاولة النقاش من بينها، استمرار التواصل الحثيث مع الحركات المتمردة واستيعابها في طاقم الفترة الانتقالية كجزء مؤثر على الساحة السياسية في السودان، والتوافق معها وبقية الأحزاب غير المنضوية في إعلان الحرية والتغيير على شكل وهياكل السلطة الانتقالية، على أن يكون وقف الحرب وتحقيق السلام أولى الخطوات أمام الحكومة المدنية التي حتماً ستجد التأييد والاعتراف الإقليمي.

هذا بجانب الخيار الذي طرح بقوة من قبل بعض أعضاء المجلس الانتقالي بإبداء الزهد في السلطة وإحالة الأمر للاتحاد الأفريقي من خلال مخاطبته بإجراء انتخابات مبكرة خلال ستة أشهر في حال تعمقت الخلافات أكثر فيما بين القوى السياسية حول ترتيبات إدارة الفترة الانتقالية، وذلك بحجة تجفيف حالة السيولة السياسية التي يمكن أن تتحول بحسب مخاوف المجلس إلى سيولة أمنية يصعب احتواؤها، وإن كان المقترح لم يجد حظه في الوقت الراهن من النقاش المستفيض داخل المجلس العسكري إلا أنه يمثل ورقة ضغط قوية بيد المجلس الذي حتماً سيستخدمها في حال أغلقت الأبواب أمامه.

Email