فلسطين

مخيم جنين..قصة حصار وانتصار

مخيم جنين.. قصة صمود | البيان

ت + ت - الحجم الطبيعي

تسقط كل الكلمات في أبريل، ولكن لا تسقط ذكريات مخيمٍ سطر أبناؤه بالدم ملحمة بطولية، ففي كل عامٍ من أبريل دم الشهداء يُنبت زهراً ، تسقط كل القلاع المنهارة، و يبقى مخيم جنين قلعةً شامخة بشموخ هامات جيل يصنع النصر من دماء الشهداء.

فالمكان مخيم جنين شمال الضفة المحتلة، والزمان بداية ابريل 2002، وأبطال القصة مئات المقاومين وكل أبناء المخيم الصامدين، فعامٌ بعد عام تبقى ذكريات الصمود في ذاك المخيم حكاية يتداولها جيلٌ بعد جيل، ويحفظها الصغار قبل الكبار، يروون قصة الدم المتدفق في أزقة المخيم الذي سطر ملحمةً من ملاحم الصمود.

17 عاما هي العمر الذي سيمتد على مدار التاريخ، لمعركة بين جيشين، جيشٌ لا يملك إلا الإيمان بحقهم في الأرض، وآخر لا يملك إلا قوة السلاح، فانهارت أساطير السلاح،، لينتفض في كل مرة أهل الحق، يلقنون الجيش الذي لا يقهر درساً بأن النصر لا يأتي من فوهات البنادق إنما يصنعه الرجال بعزيمتهم وإيمانهم بعدالة قضيتهم.

عملية الدرع الواقي

عملية قامت بها قوات الجيش الإسرائيلي بضرب المدن الفلسطينية في أعقاب تنفيذ الاستشهادي عبد الباسط عودة من مدينة طولكرم شمال غرب الضفة المحتلة في الـ 27 من مارس 2002 عملية استشهادية في فندق باراك في مدينة أم خالد المحتلة والتي حول الاحتلال اسمها إلى «نتانيا»، و أدت إلى مقتل 30 إسرائيلياً .

فأعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك «ارائيل شارون» الضوء الأخضر لبدء العملية العسكرية التي سماها بعملية الدرع الواقي لضرب المدن الفلسطينية.وكان الهدف الرئيسي للعملية هو القضاء على الانتفاضة الفلسطينية الثانية المندلعة عام 2000

بداية الاجتياح

فجر الثاني من ابريل عام 2002 باشرت قوات الاحتلال بإحكام حصارها على مخيم جنين بالآليات العسكرية وقطعت عنه الكهرباء والمياه والاتصالات تمهيداً لاجتياحه، حشدت آلاف الجنود والدبابات والمجنزرات والجرافات للبدء بتدمير المخيم.

السبعينية أم خليل كانت شاهدة عيان على المعركة تقول لـ «البيان» في اليوم العاشر للاجتياح خرجت من بيت جيراني الذي لجأت إليه بعد تدمير بيتنا، وتقدمت بحذر شديد من بيت لآخر كي أجلب القليل من حليب الأطفال لحفيدي، فجأة تعالت أصوات قرابة 50 جندياً إسرائيلياً كانوا يقتادون شاباً رافعاً يديه فوق رأسه والبنادق مسلطة صوبه، ضربوه بأعقاب بنادقهم ضرباً مبرحاً، ثم وثقوه بالحديد وأعصبوا عينيه بشريط ابيض ووضعوه على كومة من الردم وأطلقوا عليه الرصاص وأعدموه بدم بارد، فعدت مسرعة إلى المنزل وبعد ثلاثة أيام خرجت وتمكنت من الوصول إلى جثة الشاب فشاهدت رصاصتين قد اخترقتا وجهه، و اقتربت منه أكثر وأدركت انه القائد المناضل المعروف باسم «أبو جندل» أحد القادة الميدانيين وأبرز المناضلين في معركة مخيم جنين.

مقاومة نسائية

وعن الدور العظيم التي قامت به الفلسطينيات في مخيم جنين إبان اجتياح نيسان الأسود تحدثت أم خليل، النساء كن يخبزن ويطهين الطعام ويعددن الشاي والقهوة في كل حارة وحي وشارع وزقاق، يخرجن من كل باب وشباك، لإمداد المقاومين بالطعام، فالشهيدة مريم الوشاحي «أم مروان» والدة الشهيد الشبل منير، كانت تزود المقاومين بالطعام والشراب والخبز على مدار الساعة، وتضع الطعام على لوح خشبي طويل لتوصله للمقاومين، قبل أن تستشهد بقذيفة .

الأمم المتحدة

أسبوعان من الحصار والمعارك الضارية دارت بين المقاومة والاحتلال قبل أن تضع المعركة أوزارها ليكشف تقرير الأمم المتحدة عن مجزرة بشعة ارتكبها جنود الاحتلال الإسرائيلي بإعدام ما يقارب 58 فلسطينياً، وإصابة المئات بجروح متفاوتة، وسجل التقرير عدداً من المفقودين، ومئات المعتقلين وهدم 1200 بيت، 450 بيتاً هدمت بالكامل.

أما الجانب الإسرائيلي فقد اعترف بمقتل 23 من جنوده رغم تأكيد المقاومين على أن الرقم اكبر من ذلك بكثير، حيث يقدر بـ 55 جندياً.

انتهت المعركة وبقيت تفاصيلها محفورة في ذاكرة التاريخ كملحمة بطولية سطرها مخيم جنين، فرغم الحصار حقق انتصاراً كبيراً في الوحدة الميدانية بين فصائل المقاومة الفلسطينية في بقعة صغيرة لا تتجاوز كيلو متراً مربعاً.

Email