تقارير البيان

تحرير "غدوة" يرسم أول ملامح ليبيا بلا إرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

بسيطرته على منطقة غدوة يكون الجيش الليبي قد وضع يده على سرّة الجنوب، ومهد الطريق نحو مناطق أم الأرانب ومرزق وتراغن، لتحرير الجنوب بالكامل من العصابات وشبكات الإرهاب والتهريب والاتجار بالبشر، وإعادة أجهزة الدولة الليبية لحدودها الجنوبية التي كانت تشكو الاستباحة على امتداد أكثر من سبع سنوات.

المناوئون للجيش الليبي، يبدون منزعجين من هذه الخطوة، وخصوصاً أنها تشكل في ما تشمله، الوصول إلى حقل الشرارة، أكبر وأضخم حقل نفطي في البلاد، وإلى أضخم محطة للكهرباء تعمدت بعض الأطراف، وخاصة الإخوانية، عدم استكمال إنجازها، في إطار العمل على ابتزاز السكان المحليين في إقليم فزان قبل الاستحقاقات الانتخابية المنتظرة.

ولاء وطني

وانزعاج الإخوان وحلفائهم، له أسباب ودوافع أخرى، منها أن سيطرة الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر على الجنوب الغربي، ستكون منطلقاً نحو المنطقة الغربية بكاملها، واستعادة سيطرة الدولة عليها، وكذلك لانضمام المزيد من العناصر العسكرية من أبناء القبائل الجنوبية إلى القيادة العامة، وخصوصاً ممن كانوا يعملون في صفوف الجيش إلى حين سقوط النظام السابق في 2011، فالقوات المسلحة الليبية كانت أول مؤسسة تعلن المصالحة وتفعّلها على أرض الواقع، وتعيد استقطاب العسكريين السابقين، وتكلفهم بمأمورياتهم وفق رتبهم العسكرية.

ومن ينظر إلى تركيبة الجيش التي تقوم بتطهير الجنوب، يدرك أنها تجمع في صفوفها عسكريين ليبيين من مختلف المناطق والقبائل والانتماءات، وأن ولاءهم للوطن، وهو ما لا يستقيم مع توجهات الإسلام السياسي وميليشياته التي لا يخيفها شيء كما يخيفها تخوفها من وحدة الليبيين تحت لواء مؤسسات الدولة وعلى رأسها القوات المسلحة

والأمر هنا يتخذ بعداً مهماً، إذا اعتبرنا أن أغلب العسكريين في الجيش الليبي قبل أحداث 2011 كانوا من أبناء المناطق الجنوبية عرباً وطوارق وتبواً، وتجمّع العسكريين السابقين من ضباط وجنود في صفوف الجيش سيزيد من قدراته البشرية، كما سيمثّل تجذيراً لشرعية المؤسسة في إقليم فزان المعروف بأنه مصدر الثروات الكبرى من نفط وغاز وماء وخامات متنوعة.

وترحيب سكان فزان بالجيش الليبي جاء ليكذب مواقف سابقة لبعض الأطراف المتحاملة، والتي كانت تعتقد أن سكان المنطقة، وجانب كبير منها لا يزال موالياً للنظام السابق، سيواجهون القوات المسلحة، في حين كانت النتيجة العكسية، حتى إنها وضعت بعثة الأمم المتحدة للدعم ورئيسها غسان سلامة في حرج كبير، بعد أن حذرا من أن حرباً أهلية قد تندلع في سبها وبقية المناطق، إذ إن المشهد جاء مختلفاً تماماً، والسكان المحليون التحموا بالوحدات العسكرية لتحرير مناطقهم من الإرهابيين واللصوص والخارجين عن القانون.

وشمالاً، بدأت حركة الإخوان وحلفاؤهم بالفرار نحو الخارج، فالقوات المسلحة الموجودة في الجنوب، لها امتدادات مهمة في المنطقة الغربية بما في ذلك الجبل الغربي، وكذلك في المنطقة الوسطى حيث بدأ الحديث عن إمكانية انضمام تلقائي لمدن مهمة مثل غريان وترهونة والزاوية إلى شرعية الجيش، بعد أن جرّب السكان المحليون ويلات الميليشيات، ودفعوا ثمن ذلك غالياً من دماء أبنائهم ومن أمنهم واستقرارهم.

توازنات جديدة

ولا شك في أن العسكريين النظاميين في هذه المدن وغيرهم باتوا على يقين من ضرورة توحيد صفوفهم مع القوات المسلحة بقيادة حفتر، وخصوصاً في ظل الانتصارات التي ما انفكت تحققها، وفي ظل قدرتها على تكريس سياسة الأمر الواقع، فمن يسيطر على الأرض هو الأقدر على الإمساك بالقرار، وخصوصاً أن مراكز النفوذ الدولي قررت أن تغمض عينها عما يدور في الواقع، لأن بسط الجيش نفوذه يعني عودة الاستقرار للبلاد، وتقليص مخاطر الإرهاب وموجات الهجرة السرية.

وهكذا فإن تطهير غدوة سيشكل مسارات الغد، ويبدو أن الجيش الليبي قرر أن يبكّر بتغيير الواقع عبر توازنات جديدة لم يعد هناك من يستطيع تجاهلها أو تجاوزها.

Email