تحليل

مخاض لولادة حكومة فلسطينية جديدة ليست كسابقاتها

ت + ت - الحجم الطبيعي

الرياح التي تهبّ، هذه الأيام، على الحكومة الفلسطينية- التي كلفها الرئيس محمود عباس بتسيير الأعمال بعد إعلان استقالتها - نشطة وسريعة، غير أن أكثر الاتجاهات حركة وحيوية على هذا الصعيد، يتمحور عند اللجنة المركزية لحركة فتح، التي أوصت بتشكيل حكومة جديدة للخروج من الوضع الراهن، وبدأت مشاوراتها لترشيح رئيس جديد للحكومة.

في الآونة الأخيرة، ارتفعت أصوات كثيرة، وكلّها غاضبة وحانقة ومستاءة، من جمود الوضع الراهن في المشهد الفلسطيني، ما دفع صنّاع القرار، لاتخاذ سلسلة من الخطوات والتدابير، يقفز في مقدمتها، تشكيل حكومة جديدة.

ما يلفت انتباه المراقبين، أن الأسماء التي تقفز على السطح، لتولي رئاسة الحكومة، تبتعد عن «الحرس القديم»، ويدور الحديث عن د. صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ود. محمد اشتية، عضو اللجنة المركزية، لما يتمتعان به من خبرة، تؤهلهما كي يكونا في موقع هذه المسؤولية.

ومنذ تعيين عريقات في منصب أمانة سر منظمة التحرير، خلفاً لياسر عبد ربه، كثرت الأحاديث حول تحضيره من قبل الرئيس محمود عباس لخلافته، وبداية ذلك من الشارع الفلسطيني، الذي ما انفك الحديث حول نية «أبومازن» تعيينه رئيساً للحكومة القادمة.

تهيئة عريقات، المعروف بقربه من الرئيس، لمنصب رئيس الوزراء، يلقى قبولاً لدى الشخصيات الفتحاوية الكبيرة، ذلك أن عريقات يعدّ من الشخصيات القليلة، التي تجمع ما بين عضوية تنفيذية المنظمة ومركزية حركة فتح. ويرى مراقبون سياسيون في إناطة رئاسة الوزراء لعريقات، مؤشر قوي، يحاول من خلاله عباس التحضير للمرحلة المقبلة.

في رام الله، يوصف المشهد من خلال التحضير للتغيير القادم في هرمية المؤسسة الرسمية الفلسطينية بـ«الكولسة»، خصوصاً بعد أن بدا واضحاً أن الرئيس (أبومازن) ماضٍ في طريقه لتجديد الدماء في جسد السلطة من خلال الأسماء الشابة.

وترى النخبة السياسية، أن عريقات، الرجل الأكاديمي، الذي كان يتقلّد منصب كبير المفاوضين، ورئيس دائرة شؤون المفاوضات في المنظمة والسلطة، ولمع نجمه منذ العام 1991، من خلال مشاركته بأول مؤتمر للسلام في مدريد، ضمن الوفد الفلسطيني المفاوض، يتولى حالياً مسؤولية ترتيب البيت الفلسطيني، وبانتخابه أميناً لسر منظمة التحرير، قبل ثلاث سنوات، وضع قدمه على الدرجة الأولى في سلّم القيادة.

وتتزامن خطوات القيادة الفلسطينية، المتلاحقة، بإخراج رئيس الوزراء رامي الحمد الله من الحلبة السياسية، مع نشاط وحراك مستمر، لاستكمال التحضيرات الخاصة بتشكيل الحكومة الـ18 في عمر السلطة الفلسطينية، وترجّح أوساط سياسية أن يطرأ تغيير واسع على شكل القيادة، تمهيداً للمرحلة المقبلة وكسر الجمود الحالي.

اللافت أيضاً في هذا الاتجاه، دخول قادة الاحتلال، على خط قضية خلافة عباس، إذ بدأت الدوائر الحاكمة في تل أبيب، بطرح أسئلة كثيرة من قبيل: من سيخلف عباس؟ وكيف ستتعامل إسرائيل مع الرئيس القادم؟ والأهم من ذلك، كيف سترد إسرائيل في حال قرر القائد الفتحاوي الأسير مروان البرغوثي ترشيح نفسه للرئاسة. وكيف لو فاز البرغوثي بالفعل، هل سيصبح أول رئيس يحكم البلاد من داخل زنزانة صغيرة، يقضي فيها حُكماً بالسجن المؤبد؟

ومع رياح التغيير التي تهبّ على شكل القيادة الفلسطينية، بات الحديث عن أن عباس يتهيّأ للرحيل، أرضية خصبة للسياسيين والإعلاميين الإسرائيليين، بل إن كثيرين رجّحوا بأنه يُحضّر لمفاجأة مرتقبة، يعلن فيها ترجله عن الحياة السياسية، واستقالته من كل مناصبه، نظراً لانسداد الأفق السياسي.

ويبقى الجميع ينتظر تغييرات (أبومازن) في هرم القيادة الفلسطينية، خصوصاً في ظل الأحداث الكبيرة التي عصفت بالساحة السياسية، وعدم قدرة السلطة على الوقوف بوجهها، لكن يبقى السؤال: ما هي مفاجأة الرئيس؟ وما هو التغيير القادم في مؤسسات السلطة؟

ومن هو الخليفة المُنتظر، والرئيس الجديد لدولة فلسطين؟ أسئلة مشروعة لن تتأخر الإجابة عنها، لأنه بالتغييرات الجارية، سيتبيّن «الخيط الأبيض من الخيط الأسود»، وسيُكشف اللثام عن كل ما يدور في ذهن عباس، وما ينوي فعله إن فكّر جدياً بالرحيل.

Email