والدة الأسير كامل الخطيب.. انتظرته 16 عاماً كي يُقبّلها ورحلت

ت + ت - الحجم الطبيعي

في المنعطفات والشدائد، تظهر معادن الرجال لترسم صوراً زاهية ومُشرقة، وهنا يظهر اسم الأسير المحرر كامل الخطيب، من مخيم بلاطة قرب مدينة نابلس، الذي ودّع والدته، بعد ساعات قليلة فقط من لقائها، عقب الإفراج عنه من سجنه، الذي أمضى فيه 16 عاماً، في رسالة حافلة بالمعاني والدلالات، وتحمل في ثناياها رسائل للاحتلال وسجانيه، بأن الفلسطينيين لن تثنيهم غطرسة الاحتلال، ولن تنال من عزيمتهم.

اللقاء الذي جاء «على عجل» بين الأسير ووالدته، لم يدم سوى لبضع ساعات، واحتضنته غرفة العناية المكثفة، بالمستشفى التخصصي في مدينة نابلس، وجاء بعد 16 عاماً، انتظرت خلالها الوالدة، على أحرّ من الجمر، لمعانقة كمال أو الفرحة بزفافه، لكنها لم تنل ما كانت تصبو إليه، ورحلت بعد أن طبع على جبينها قبلة اللقاء والوداع في آن.

الوالدة التي أنهكها الانتظار، ونال منها المرض، رحلت سريعاً، بعد أن اطمأن قلبها على ابنها، ورغم أنها دخلت في غيبوبة في الأيام القليلة الأخيرة، التي سبقت الإفراج عن كامل، إلا أنها أصرّت على أن تمنحه الفرصة لاحتضانها وتقبيلها، فكان اللقاء الأخير بينهما «من طرف واحد» لأنها لم تكن تدرك ما يدور حولها، إذ كانت تصارع الموت، وأجهزة التنفس الاصطناعي.

الأيام الأخيرة

في أيامها الأخيرة، كانت «أم إبراهيم» تنتظر بشغف الإفراج عن ابنها، وكانت دائمة السؤال عنه، ورغم وضعها الصحي الصعب، إلا أنها نجحت في صناعة طوق من الورد، كانت تمنّي النفس، بأن تطوّق به عنق كامل، لحظة تحرره، لكن حتى هذه الأمنية لم تتحقق، وإن ناب عنها أبناؤها في تنفيذ وصيتها.

في رحلة عودته إلى منزله، شعر كامل، بأن الطريق التي سلكها من سجن «عوفر» الاحتلالي، قرب مدينة رام الله، إلى نابلس، حيث ترقد والدته، طويل بطول مدة سجنه، كان في قمة لوعته للقاء الوالدة، وقلبه عليها من أن يصيبها مكروه قبل أن يفرغ ما في جعبته من شوق إليها، وتقبيل يديها، كان في توتّر عالٍ، وينظر إلى ساعة يده، بين الحين والآخر.

يقول الأسير المحرر لـ«البيان»: «كم كانت فرحتي بلقاء والدتي بعد 16 عاماً في الأسر، لكن حزني كان أكبر عندما أدركت أنها لصعوبة وضعها الصحي لن تراني، ولن تشعر بفرحة الإفراج عني»، مضيفاً: «عندما أقبلت عليها، شعرت بأن عيناها فتحت لي قليلاً، وبعد أن قبّلتها وارتميت بين أحضانها كطفل صغير، طلبت منها الرضى، فحاولت أن تقبض على يديّ، رغم أنها كانت منهكة، وفاقدة الحيل».

سجون الاحتلال

يوضح كامل، أن والدته طافت كل سجون الاحتلال، وتنقلت من سجن إلى آخر، لزيارته، وكانت دائماً ترفع معنوياته وتشد من أزره، لافتاً إلى أن معاناتها مع السجون بدأت مع الانتفاضة الأولى، واستمرت بانتفاضة الأقصى، مفاخراً بأن والدته عُرفت خلال انتفاضة الحجارة، بمساعدتها للشبان المنتفضين، وكانت ناشطة في إيواء المطاردين، واعتبرها أبناء المخيم، أماً للشهداء والأسرى والجرحى.

مسيرة «أم إبراهيم» كانت حافلة بالعطاء والبذل والتضحية، واستمرت على هذا النهج، حتى آخر لحظة في حياتها، وهذا السلوك هو ما جعلها موضع تقدير ومحبة واحترام، فكان من الطبيعي أن يبكيها كل أبناء مخيمها، باعتبارها جزءاً أصيلاً من منظومته النضالية.

 

Email