قصة مؤلمة لأم في غزّة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تخصص فيروز جزءاً من وقتها كل صباح لرص الخبز الذي جمعته في فناء منزلها، محاولة تنظيفه من محتواه، ومن ثم تجفيفه، إذ تبدأ لاحقاً بتصنيفه لجزء تطعمه لأبنائها، وجزء آخر تبيعه بثمن بخس لمربي الطيور الداجنة لإطعامه لطيورهم.

هكذا بدت حياة الغزية فيروز الأعرج (45 عاماً)، بعد أن نهش الفقر والجوع عائلتها، ولم تجد ما تطعم به أبناءها، ما اضطرهم للتجول في الشوارع والمدارس لجمع الخبز الجاف من الطرقات، فقد أصبح هو الوجبة الوحيدة لعائلتها.

هو ذاته حبل الغسيل الذي يتوسط غرفة جانبية في منزل فيروز الصغير حجماً والكبير بعداد سكانه، مازال مكانه منذ سنوات طويلة، ولكن الظروف تغيرت داخل الأسرة وكبرت تدريجياً، ليتحول مهامه من مكان لوضع الملابس بعد الغسيل، إلى مكان لإعداد وجبة رئيسية لأفراد الأسرة.

وذلك بعد رحلة طويلة وشاقة في جمع الخبز الناشف من الشوارع ثم العمل على تجفيفه، ونشره على حبل الغسيل داخل المنزل، ليقوم بمهام رئيسية، أولها توفير وجبة دسمة ورئيسية لعائلة فيروز التي تعيل أسرة مكونة من 8 أفراد، وإعداد الفائض من طعام أسرتها من الخبز الناشف، وبيعه بمعدل 10 شواقل، أي ما يعادل «3 دولارات أميركي» بوزن يقارب الـ 40 كيلو.

فيروز صاحبة قصة نضال وكفاح يومية تعيشها، تصارع فيها من أجل البقاء على قيد الحياة مع أطفالها في منزلها المتهالك غرب مدينة خان يونس، فبداية كفاحها تبدأ مما يجمعه أطفالها من بقايا الخبز من الشوارع ومدرستهم التي يدرسون بها، بالإضافة لما يرسله لها بعض جيرانها، لتبدأ كل صباح حياتها على طريقتها الخاصة.

يتكون منزل فيروز من غرفتين من الصفيح، يتحول فيها البيت خلال فصل الشتاء إلى أشبه بالفريزر، لتصرخ فتياتها في وجهها: «لما نشوفك بتشتغلي بنشعر بالبرد، ولما تجففي الخبز بنجوع». وتعاني فيروز من ارتفاع في الضغط، فيما يعاني زوجها من التضخم في الكبد والطحال، ولا يقدر على العمل، ولا يوجد مصدر دخل للأسرة، وأحلامها الكبيرة لا تتعدى العيش مع بناتها مثل باقي البشر، في بيتها الذي لا يصلح للسكن الآدمي، لصغر حجمه وتهالك حجارته.

وتتلقى مساعدة من وزارة الشؤون الاجتماعية مرة كل ثلاثة أشهر، لا تكفي لسد رمق أسرتها. وتذهب هذه المساعدة المالية البسيطة لسداد الديون المتراكمة عليهم، بما فيها أجرة البيت التي تقيم فيه، خاصة أن زوجها يحتاج لأدوية مرتفعة الثمن يومياً، كما أصيبت حفيدتها الطفلة بنفس مرض زوجها.

وتقول فيروز وهي تحاول إخفاء دموعها: «أعتمد في تنشيف الخبز على تجهيزه كوجبة لعائلتي، أكثر ما أهتم ببيعه، لتأمين لقمة العيش، ومن الفائض في الخبز الناشف، أقوم ببيعه للجيران طعاماً للطيور بمبلغ لا يساعد إلا بالقليل لتوفير باقي احتياجات أسرتي».

وتلفت فيروز إلى أن أطفالها يطالبونها يومياً بملابس شتوية ومصروف المدرسة وأي طعام آخر بعيداً عن الخبز الناشف، فاللحوم لا تدخل بيتها إلا في الأعياد، ولا يشاهد أطفالها الرز داخل بيتهم إلا ما يزيد على طعام من الجيران فيرسلوه لهم، وهنا يدخلون في عراك فيما بينهم للحصول على هذا النوع الجديد في بيتهم.

أما ابنها جهاد، فيقف عاجزاً داخل بيته لعدم وجود مصدر دخل له، أو مؤسسة تفتتح له مشروعاً صغيراً ليعيل أسرته، فزوجته حامل وطفله مريض، وليس بإمكانه جلب الحليب أو البامبرز لطفله، وتضطر زوجته للذهاب لبيت أهلها لتنال الطعام لتتمكن من الحفاظ على جنينها.

وتتجنب بنات فيروز المتزوجات من زيارة بيت أهلهن، لضيق مساحته وقلة الطعام فيه، حيث تقول ابنتها سلوى (25 عاماً): «نزور بيت أهلي مرة كل 100 يوم لعدم وجود طعام وشراب لأطفالنا فيه، ونتجنب إحراج والدتي بهذا الأمر، فلا طعام يكفي ولا أغطية تدفي، ونواقصنا كثيرة، وإمكانياتنا محدودة، ولا نرجو من الله إلا بناء بيت صغير لأهلي وتوفير مصدر دخل».

Email