«عصر الحشيشة».. من بوّابة التشريع الطبي في لبنان

ت + ت - الحجم الطبيعي

«الجوهرة الخضراء»، أو حشيشة الكيْف، تحرّرت من عقدة الممنوعات، وسلكت أولى الطرق إلى التشريع في لبنان، ففي أوّل إشارة رسمية إلى هذا «التحرّر»، يتحضّر المجلس النيابي اللبناني لدرس وإقرار التشريعات اللازمة لتشريع زراعة هذه النبتة وتصنيفها للاستعمالات الطبية، على غرار العديد من الدول الأوروبية وبعض الولايات الأميركية.

والحديث عن تشريع زراعة الحشيشة في لبنان لم يأتِ من العدم، بل اقتضاه فعل المطالبات المتكرّرة على ألسنة البعض، ولعلّ أبرزها جاءت على لسان النائب السابق وليد جنبلاط عام 2014، ما فتح الباب للحديث من حينه عن إيجابيات هذه النبتة وفوائدها الصحية. وهذا الحديث وجد طريقه إلى مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، فسجّل هاشتاغ «إذا شرّعوا الحشيشة» أعلى نسبة تداول على «تويتر»، وبدأ المغرّدون بتصوّر ماذا سيحدث لو شُرِّعت الحشيشة فعلاً، وعلى سبيل المثال، كتب أحدهم: «إذا شُرِّعت الحشيشة منصير نفرمها مع التبّولة».

وفي ظلّ وجود اتجاه لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري لإنشاء مؤسّسة على غرار مؤسّسة «ريجي التبغ»، لإدارة ملفّ زراعة الحشيشة لأغراض طبية وصيدلانية، يدّعي مناصرو تشريع زراعة الحشيشة أنّ هذا المشروع سيدّر أموالاً على لبنان، ويعمدون إلى إعطاء الولايات المتحدة الأميركية كمثال على ذلك، تبريراً لشرعيّة هذا الإجراء. لكنّ البحث في دوافع هذا المشروع، والنتائج التي قد تترتّب عنه، يُظهر أنّه ليس سوى دليل على فشل الإنماء المناطقي.

وفي السياق، تجدر الإشارة إلى أنّ خطّة تشريع زراعة الحشيشة كانت جزءاً من الأفكار التي قدمتها شركة «ماكينزي» الأميركية لإصلاح الاقتصاد اللبناني، حيث توقعت في تقريرها المؤلّف من ألف صفحة بأن تدرّ الحشيشة مليار دولار على لبنان، الأمر الذي سينعشه اقتصادياً، بحسب ما كشفته صحيفة «الغارديان» البريطانية، التي نشرت مقالاً تحدثت فيه عن: «كيف يُمكن أن يشكّل تشريع الحشيشة في لبنان تحوّلاً كبيراً في الاقتصاد اللبناني».

«إذا شرّعوها»

الدعوات التي أطلِقت لتشريع زراعة نبتة الحشيشة لا تزال تشغل مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً «فيسبوك» و«تويتر». والبداية مع «هاشتاغ»: «إذا شرّعوا الحشيش»!. «إذا شرّعوا الحشيش»: «بلدنا بيوفي ديونو بسنة»، «كل شاب لبناني بيلاقي شغل وما بيتغرّب»، «بيصيروا اللبنانيين يحبّوا بعض.. رواااااق، لا مظاهرات ولا تعصيب ولا مسبّات»، «بينضرب قطاع الأدوية، لأنو الناس عايشة على أدوية الأعصاب».. «الحشيش ذهبنا الأخضر»، «الشعب اللبناني خلقا دايخ»، و«إذا شرّعوا الحشيش، بصير إسمع بوب مارلي عَ الصبح بدل فيروز».

وهكذا، لا تزال مواقع التواصل تنقل تخيّلات المغرّدين والناشطين الفايسبوكيّين عما سيكون عليه المصير، في حال شرِّعت زراعة الحشيشة في لبنان لتصبّ في خانة تمويل سلسلة الرتب والرواتب، وفق رؤيتهم. علماً أنه مضى نحو 98 عاماً على زراعة حشيشة الكيف في لبنان، أي منذ عام 1920، وهي لا تزال تُزرع وتُباع وتُصدّر، في غياب القوانين المشرّعة، وتصل عقوبة الإتجار بها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.

خياران

وفي الانتظار أيضاً، فإنّ المشهد الذي يتكرّر كلّ عام، بما يذكّر اللبنانيين بـ«لعبة القطّ والفأر»، مع انطلاق «مسلسل» إتلاف الحشيشة، فيتلخّص بالسيناريو الذي بات مألوفاً: «وجعة رأس» للقوى الأمنية، و«ترقّب حذِر» من المزارع الذي يمعن اهتماماً بـ«رزقه»: يؤمّن له مياه الريّ حتى يغدق عليه الدونم بدل القنطارين ثلاثة.. (القنطار يعطي من «هقّتين» إلى ثلاث.. و«الهقّة» تساوي 1200 غرام)، فيما يده على «الزناد» استعداداً للمواجهة والدفاع عن «الرزق الغالي».

وإذا كانت عبارات: «الموسم لح يمرق على خير» و«المواجهة ما بتكون إلا بالسلاح» و«الرزق متل العَرْض.. كتير غالي» و«نحنا مش مجرمين.. سجلاتنا نظيفة متل التلج.. والحمد لله».. باتت تشكّل قاموساً لتعامل المزارعين مع ملف إتلاف الحشيشة، فإن هناك خيارين لا ثالث لهما.. هكذا يقول لسان حال المزارع البقاعي، فـ«الخيبة والإحباط» المحيطان به، وتحديداً في الأعوام الأخيرة، لم يتركا له خيارات كثيرة، فإما الاستمرار بزراعة القنّب الهندي، وإما ترقّب «صحوة» من بيدهم الأمر كي تعود «إهراءات روما» (اللقب الذي كان يطلق على سهل البقاع قديماً) إلى سابق عزّها وأيام خيراتها.. ويبقى السؤال معلّقاً إلى أجل غير مسمّى: أيّ الخيارين سيطفو في الأيام المقبلة؟.

Email