دراسة

السـياســــة الخـــارجيـة الإيرانية بين المرتكـــز والمتغير

ت + ت - الحجم الطبيعي

في نظرتها الإقليمية والدولية، تنطلق الرؤية الإيرانية من مرتكزات متباينة، بعضها «تاريخية» عفى عليها الزمن، أو مخالفة للقيم الإنسانية، إلا أن تأثيرها لا يزال قائماً على صانع القرار في إيران، بل دافعاً له باتجاه انتخاب مختلف الوسائل والطرق التي تمكّن إيران من تعزيز تمدّدها، إلى درجة التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، ودعم حركات وأحزاب موالية بالمال والسلاح لاستخدامها أدوات في صراعات طهران ومحاولاتها مد النفوذ في المنطقة.

إن دراسة تلك المرتكزات وتفاعلها في ما بينها وتأثيرها على صانع القرار الإيراني وكذلك توظيف المؤسسات الفاعلة لها، يعتبر أمراً مهماً في استشراف السياسة الخارجية الإيرانية، الأمر الذي يدفع بدوره إلى طرح عدد من التساؤلات المتمثلة في ماهية مرتكزات المنظور الإيراني الإقليمي والعالمي وهل طرأ عليها تغيير قبل وبعد ثورة 1979م؟.

كيف تصبح تلك المرتكزات محددة لبعضها البعض وما الذي يدفع إلى ذلك؟ ما هي أطر السياسة الخارجية الإيرانية وتجاذبات الدولة والثورة لها؟ كيف تتفاعل القوى والمؤسسات الإيرانية الفاعلة على المستوى الإقليمي والدولي؟

ينطلق صانع القرار السياسي الإيراني في اتخاذ قراراته وإصدار تصريحاته في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، والتعامل مع القرارات الدولية والأحداث السياسية، من مرتكزات وقيم أساسية تتلاقى في ما بينها تارةً، ويصبح بعضها محدداً للآخر تارةً أخرى. وتأتي عوامل من قبيل الموروث الثقافي والتاريخي والديني والوزن الإقليمي والدولي للدول لتلعب دورها في ظهور تلك المرتكزات.

فالسياسة الخارجية كما يرى محمد كاظم سجاد بور عبارة عن حلقات متصلة ببعضها البعض تجمع العديد من العوامل التي تؤثر من جانبها على السياسة الخارجية. وفي حين أننا نجد أن هناك مرتكزات تُجمع عليها سائر الدول ولا سيما مرتكز «المصلحة»، تأتي غيرها متفاوتة بين دولة وأخرى. ويمكن أن نستشف أهم المرتكزات التي تلعب دورها في صنع القرار السياسي في إيران في التالي:

أ‌. مرتكز القومية الفارسية والاعتزاز بها. إن الموروث الثقافي والتاريخي في إيران جعل من القومية الفارسية مرتكزاً مهمّاً لصانع القرار السياسي ضماناً لكسب تأييد الشعب الإيراني، فالجانب الاجتماعي الذي يتجلى في صور مختلفة يلعب دوره في السياسة الخارجية الإيرانية. ويعتبر قدم المجتمع الإيراني أحد أهم الأسس الاجتماعية الذي ينعكس مباشرة على الهوية الوطنية الإيرانية.

فإيران كانت موطناً لإحدى الإمبراطوريات القديمة، وهو أمر ينعكس على السياسة الخارجية الإيرانية. هذه الأهمية تدفع باتجاه أن يُغلب مرتكز القومية الفارسية على ما سواه من المرتكزات الأخرى في إيران، بل يضع مبررات ويضفي عليها مسوّغات في سبيل بقاء مرتكز البعد القومي بعيداً عن كل ما من شأنه التأثير عليه، وبالتالي انعكاس هذا الأمر سلبياً على من يتولى السلطة وفقدانه لعامل مهم يستقي منه دعماً داخلياً.

ب‌. مرتكز المصلحة. حيث تأتي المصلحة في المقام الأول عند اتخاذ القرار. فالقيم الأخلاقية والشعارات الرنانة لا تجد لها موطئ قدم في غالب الأحيان عند اصطدامها بالمصلحة. فالعلاقات الدولية قائمة على مبدأ المصلحة الذي يأتي كمرتكز مهم عند صانع القرار السياسي في إيران، ويأتي التأويل بدوره هنا ليسوّق المبرّرات ويخلق السبل لتحقيق المصلحة، من دون أن تصطدم مباشرة بالمرتكزات الأخرى.

فإذا كانت مصلحة النظام الإيراني تقتضي الحوار مع أميركا فإن هذا النظام، كما يقول محمد جواد لاريجاني - رئيس لجنة حقوق الإنسان في السلطة القضائية، وشقيق كل من رئيس السلطة القضائية والتشريعية في إيران - على استعداد للحوار معها حتى في قعر جهنم.

د. البعد الديني. من منطلق كونها الدولة الشيعية الوحيدة والقائدة - كما ترى - للمذهب الشيعي، أصبح هذا الأخير وبحجّة نصرة المنضوين تحت مظلته مرتكزاً لصانع القرار السياسي في إيران. وأصبح هذا البعد جزءاً أصيلاً في الدستور الإيراني. غير أن هذا المرتكز يتلوّن في واقع الأمر بتلوّن المصلحة ومعطياتها لدى النظام الإيراني.

هذا الأمر لا يعني بأي حال من الأحوال انتزاع الصفة المذهبية والدينية لهذا النظام، غير أن نصرة من يدينون للمذهب الشيعي لا تعني أن يكون هذا النظام إلى جانب هذا المرتكز في حال كان للمصلحة دورها الذي لا تتماشى معه.

بين فترتين

يبقى مرتكز المصلحة جزءاً لا يتجزأ من سياسة إيران على مر العصور وتعاقب الحكومات والأنظمة عليها. من هذا المنطلق يمكن القول إنه لا فرق بين فترة الشاه والفترة الحالية في السعي إلى المحافظة على مرتكز المصلحة، لكن يجدر التذكير أن ثمّة فرقًا بين تحقيق المصلحة على أساس التبادلية، وفي إطار القانون الدولي، وبين تحقيق المصلحة على حساب الآخرين ومن خلال التدخّل في شؤونهم الداخلية.

ولما كان مرتكز البعد القومي أمراً متجذّراً في الشخصية الإيرانية، ويضفي على النظام أو الحكومة دعماً شعبياً، فإن حلم إيران بالظهور بوصفها دولة كبيرة في المنطقة، كان ولا يزال مرتكزاً قوياً تسعى الأنظمة المتعاقبة للوصول له.

فما كان يقوم به محمد رضا شاه ومن قبله رضا شاه، عاد من جديد ليتجلى في النظام الحالي. ويمكن تتبع هذا الأمر من خلال العديد من التصريحات التي تصب في هذا الاتجاه، حيث يرى الخميني في أدبياته أن عين النظام تنظر خارج الحدود وهذا ما تجري ترجمته على شكل تدخّلات سافرة في شؤون دول المنطقة.

من هنا يمكن القول إن الفرق الذي يمكن رصده بين فترة ما قبل وبعد «ثورة» 1979 يكمن في الوسائل وليس في المرتكزات، بل سُخّرت الوسائل لتحقيق تلك الأخيرة.

فحين ننظر لفترة محمد رضا شاه نجد أن مرتكز المصلحة والبعد القومي كان واضحاً وتحقّق في عهد محمد رضا شاه بعد أن وصلت علاقاته بالولايات المتحدة إلى أوجها، ناهيك عن العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ووصول القوة العسكرية الإيرانية إلى المرتبة الخامسة بين جيوش العالم، فأصبحت إيران قوة إقليمية وسارت راغبةً في وصولها إلى مصاف الدول العالمية التي تحقق إشباعاً لمرتكز القومية والمصلحة.

ويمكن القول إن ميول الشاه القومية وتحفّظاته بل توجساته من المؤسسة الدينية والسعي إلى تحييد دورها، لم يسهم في صعود البعد الديني وتبنيه بوصفه مرتكزاً في سياسات إيران الخارجية في ذلك الوقت.

وبعد سقوط النظام البهلوي وصعود التيار الديني للسلطة على حساب بقية التيارات التي شاركت في «ثورة» عام 1979، أصبح لزاماً الاستمرار في النهوض بمرتكز المصلحة ومرتكز القومية، وبالتالي الاستمرار في السعي لظهور إيران بوصفها قوة إقليمية بل دولية كذلك. ولكن كانت الإشكالية تكمن في أن تلك الوسائل التي وظفها النظام البهلوي لم تعد قائمة.

فربيع العلاقات بين إيران وأميركا قد انقضى وأصبحت هذه الأخيرة بدورها «الشيطان الأكبر». وترسخت في أذهان قادة إيران أن مناكفة إسرائيل ومعاداتها والدعوة إلى القضاء عليها هي محرك لإبراز التوجه الديني والبعد الإسلامي للنظام الجديد.

ولما كان الأمر كذلك، فما كان من إيران إلا البحث عن وسائل جديدة تمثلت بدايتها في تقسيم العالم من وجهة نظرها إلى قوة مهيمنة ومن يسير في إثرها، وقوى مقاومة للهيمنة.

الثورة والدولة

ظلت الضبابية التي تحيط بالسياسة الخارجية الإيرانية وما ينتابها من تباينات، مصدر اهتمام وتحليل المهتمين بالشأن الإيراني وكذلك دول المنطقة التي تتأثر بصورة مباشرة بتلك السياسات. ولا شك في أن تناول هذا الموضوع يدفع إلى طرح عدد من التساؤلات التي من شأنها أن تعطي صورة أكثر وضوحاً لهذا الموضوع. ومنها هل بالفعل توجد ازدواجية في السياسة الخارجية الإيرانية؟ وأين يقع مكمن تلك الازدواجية؟

بالنظر إلى التساؤل الأول فإنه لا شك في أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين تؤكد أن الازدواجية حاضرة، ففي الوقت الذي أشار الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى أنه يسعى إلى خلق أجواء إيجابية وحسن جوار، بخاصة مع دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية، يعود ليتهم المملكة بدعم نظام صدام حسين في حربه ضد إيران، وهو أمر يتنافى مع دعوات روحاني لقادة الحرس لتجنب التصريحات التي من شأنها التأثير على مساعي حكومته نحو الانفتاح تجاه دول الخليج العربي، والسعودية تحديداً.

على الجانب الآخر وفي الوقت الذي يرسل ملك البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة رسالة تهنئة للرئيس الإيراني بمناسبة ذكرى الثورة الإيرانية عام 1979، يقوم مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي باستقبال مجموعة من المعارضة البحرينية حيث وصفهم بالأقوياء.

هذا الأمر يعطي مؤشراً على ظهور تلك الازدواجية والتباين في السياسة الخارجية الإيرانية. وهو ما يقودنا بدوره إلى التساؤل الآخر والمتمثل في أين يقع ذلك التباين والازدواجية.

بدايةً يتحرك النظام الإيراني باتجاه السياسات الخارجية وفق رؤية المرشد وتوجهاته بحكم الصلاحيات التي يتمتع بها وفقاً للدستور الإيراني. وتأتي بقية مؤسسات النظام لتلعب دورها أيضاً في تلك السياسة ولكن تبقى وفق أطر مجرة النظام الإيراني التي تدور جميعها حول المركز المتمثل في المرشد الذي يضطلع بصلاحية رسم السياسات العامة للدولة.

ومنها السياسة الخارجية. ولذا فإنه من الحري بنا ضرورة قراءة إيران بالطريقة الصحيحة لمعرفة مخرجاتها نظراً لنظامها وما يحتويه من مؤسسات تتداخل صلاحياتها في الكثير من الجوانب. هذه القراءة ستفضي إلى إدراك أن وزارة الخارجية الإيرانية ليست كنظيراتها في الدول الأخرى. ففي الوقت الذي تخرج هذه الوزارة بتصريح يكون قد سبقها أو تزامن معها تصريحات أخرى تتناول الأمر نفسه من مؤسسات أخرى.

وبالتالي فإن وصول حكومة معتدلة أو إصلاحية وظهور تغيرات واضحة في تصريحات هذه الحكومة لتنتقل من المستوى المتشدد إلى المعتدل، لا يعني بالضرورة تحوّلاً جذرياً في السياسة الخارجية الإيرانية.

فكما يقول عباس عراقجي - مساعد وزير الخارجية وكبير المفاوضين للبرنامج النووي الإيراني مع مجموعة 5+1- «المبادئ والقيم التي ترتكز عليها السياسة الخارجية ثابتة لا تتغير، ولكن من الطبيعي أن التعاطي مع القضايا يختلف باختلاف الحكومات من حيث إن كل واحدة منها قد تختار نهجاً خاصاً، وهذا لا يعني إيجاد أي تغيير في المبادئ والقيم»، يؤيّده في ذلك عضو البرلمان الإيراني أحمد توكلي بقوله إن السياسات العامة للنظام والسلطات العليا هي في حقيقة الأمر قواعد ثابتة، وتأثير تغيير رؤساء الجمهورية يمكن أن يؤثر في كيفية تنفيذ السياسات العامة فقط.

كما أن هناك العديد من المؤسسات في إيران تقوم بالدور الخارجي ناهيك عن أن وزارة الخارجية نفسها لها خصوصيتها في ذلك. فالرئيس الإيراني هو المعني باختيار وزير الخارجية، إلا أن من يتولى الوزارات السيادية، لا بد من أن يأتي بمباركة المرشد وبالتالي يصبح لمكتب المرشد وإدارته السياسية، دورها في رسم السياسات، ويصبح لزاماً على وزارة الخارجية التنسيق مع مكتب المرشد.

هذا الأمر دفع بالرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد إلى أن يخطو خطوات سعياً منه إلى توسيع صلاحيات الرئيس وتأثيره على وزارة الخارجية حيث قام بتعيين مبعوثين خاصين له وذلك للالتفاف على تضييق الخناق على توجهاته التي تلقى وزارة الخارجية صعوبة في تحويلها إلى جانب عملي نظراً لارتباطها بالسياسة العامة للنظام.

يأتي «المجلس الأعلى للأمن القومي» ليعلب دوره أيضاً في هذا الشأن، فلقد شهد العراق زيارات متعددة من قبل الأمين العام السابق لهذا المجلس سعيد جليلي، وكذلك الأمين العام الحالي علي شمخاني الذي يبدو أنه لعب دوره في إقناع رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بالتخلي عن رئاسة الوزراء. كما كان لشمخاني زياراته الخاصة .

كذلك للبنان وغيرها الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك في أن لهذا المجلس دوره أيضاً في السياسة الخارجية. أما فيلق القدس الذراع الخارجية لـ «الحرس الثوري» المصنّف لدى عدد من دول العالم إرهابياً، فيلعب دوراً على مستوى السياسة الخارجية، وذلك من خلال دعم التنظيمات المسلّحة في المنطقة سواء كان دعماً مادياً أو عسكرياً.

وبالتالي فإنه يمكن القول كما أشار جهانبخش ايزدي إن هناك عوامل حاكمة على السياسة الخارجية الإيرانية منها ما تصطبغ بصبغة رسمية وأخرى غير رسمية.

تداخل المصالح الحقيقية

ان ما يزيد من تداخل تجاذبات الصلاحيات والواجبات لمختلف المؤسسات في نطاق السياسة الخارجية الإيرانية، هو وجود العديد من مبادئ السياسة الخارجية تفضي إلى نوع من التناقض بين تلك المبادئ. ويأتي التأويل ليعطي مساحة فضفاضة لكل مؤسسة في تفسيراتها وبالتالي الانتقال إلى الجانب العملي على ساحة السياسة الخارجية.

إذن فبالنظر إلى مبادئ السياسة الخارجية فإنه يتضح أن هناك عنصرين، عنصر ثابت وآخر متغير. يتجلى هذا الأخير في قراءة وتفسير وطريقة تنفيذ تلك المبادئ التي تبقى بدورها عنصراً ثابتاً. ويمكن للمتفحص لمبادئ السياسة الخارجية الإيرانية ملاحظة أن منبع الازدواجية يصدر من تلك المبادئ التي تتقاطع في ما بينها دافعةً إلى ظهور مثل تلك الازدواجية.

فحين ننظر إلى مبادئ السياسية الخارجية الإيرانية من قبيل الإحجام عن أي نوع من أنواع التدخل في الشؤون الداخلية للأمم الأخرى، والعلاقات السلمية المتبادلة مع الدول المسالمة، وسلامة الأراضي الوطنية، والاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في مبادئ السياسة الخارجية الإيرانية.

فإنه لا شك في أن مثل هذه المبادئ قد تتشاطرها العديد من الدول، التي تسير بها نحو احترام قواعد العلاقات الدولية والسير باتجاه تحقيق مصالحها بعيداً عن التدخلات في شؤون الآخرين. غير أنه في الوقت ذاته تأتي مبادئ أخرى للسياسة الخارجية الإيرانية تناقض المبادئ سابقة الذكر. وهو أمر يرفضه النظام الإيراني ويؤكد عدم وجود مثل هذه التناقضات، مستنداً إلى تأويلاته وقراءته الخاصة في هذا الشأن.

وكما ذكرنا سابقاً فإن النظام الإيراني الحالي قد جاء بفكر مغاير تماماً عن سابقه في ما يتعلق بموقفه من الولايات المتحدة وإسرائيل، فلم يعد للنظام الحالي سوى الوصول إلى أدوات أخرى وتوظيفها. هذه الأدوات دفعت بدورها إلى ظهور ذلك التباين بين مبادئ السياسة الخارجية الإيرانية الحالية.

وتدخل النظام الإيراني في الشؤون الداخلية للأمم الأخرى، تقابله مبادئ من قبيل «دعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين»، والمادة التاسعة تؤكد أن هذا الأمر هو مبدأ وأساس للحكومة الإيرانية، وهو ما يتجلى بصورة واضحة في السياسة الخارجية لإيران وخاصة في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان وكشمير».

تصدير الثورة

ومن الأدوات التي تشكل بالفعل معضلة في تعاطي النظام الإيراني مع الخارج وتباين وازدواجية «الثورة» في مقابل الدولة، هي توظيف مفاهيم من قبيل نظرية أم القرى والمهدوية، وكذلك تصدير «الثورة» و«الحكومة الإسلامية»، وهي بحق مثال صريح لتلك الازدواجية التي تدفع بالحرس الثوري وفيلق القدس للاندفاع خارج الحدود الإيرانية، مستندين في ذلك إلى العديد من تصريحات الخميني وأهمية تصدير «الثورة» المزعومة، باعتبار هذا الأمر من أساسيات «الحكومة الإسلامية».

فـ«لتحقيق أهدافها الكبرى، فإن الثورة الإيرانية للشعب الإيراني تمر بخمس مراحل: الثورة الإسلامية، ثم النظام الإسلامي، ثم الحكومة الإسلامية، ثم الدولة الإسلامية وأخيراً الحضارة الإسلامية العالمية.. وهي الآن في المرحلة الثالثة.

هذه الازدواجية لم يكن لها أن تنتفي بوفاة الخميني، بل لا تزال أصداؤها باقية لدى النظام الإيراني الحالي للاستمرار للوصول إلى الهدف الرئيسي لبقية الأنظمة المتعاقبة على إيران وهو نقل تلك المخيلة إلى واقع بالوسائل المتاحة. فبعد وفاة الخميني وإعادة النظر في الدستور، اجتمع أعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي برئاسة هاشمي رفسنجاني وتوصلوا إلى نتيجة مفادها، أن نظام الجمهورية الإسلامية في إيران لن يدوم من دون توسيع نطاق الثورة الإسلامية خارج حدود إيران.

ووفقاً لذلك سار راسمو السياسة الخارجية الإيرانية باتجاه وضع إيران بوصفها «أماً للأوطان الإسلامية» لكي تتمكن من أن تصبح مركزاً وقاعدة للحركات الإسلامية والتي يتوجب دعمها مادياً ومعنوياً لكي تتمكن من الوصول إلى السلطة وهو ما سيحقق ديمومة «الجمهورية الإسلامية الإيرانية».

ولما كان الهدف باقياً فقد استمر ذلك الفكر وظهر جلياً في تصريحات المسؤولين الإيرانيين، حيث يقول الرئيس السابق «أحمدي نجاد» إن الهدف الرئيس للنظام الإيراني هو «نشر التشيع في العالم ورفع راية المهدي المنتظر»، وفي هذا السياق يقول قائد الحرس الثوري «إننا بصدد تصدير خبرة الباسيج».

ومن بين الشواهد التي تؤكد تلك الازدواجية هو الدور الواضح لفيلق القدس التابع للحرس الثوري في تدخلاته في المنطقة، وهو ما ظهر واضحاً من خلال الزيارات المستمرة لقائده قاسم سليماني للعراق في الفترة الأخيرة والتي نقلت التواجد الإيراني في العراق من صورة إنكار له، إلى سعي للتأكيد على ذلك من خلال انتشار صور قائد فيلق القدس في عدد من المدن العراقية واعتراف رسمي بتواجد عناصر من العسكريين الإيرانيين في العراق بقصد دعم الجيش العراقي في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي.

ويأتي استدعاء قاسم سليماني لمجلس الخبراء في إيران لإطلاع هذا المجلس على الأحوال في العالم الإسلامي وبالذات مصر وسوريا والعراق ولبنان، دليلاً جلياً على تلك الازدواجية في السياسة الخارجية. فقد كان حري بهذا المجلس استدعاء وزير الخارجية الإيراني أو من ينوب عنه من وزارة الخارجية بوصفها هي المسؤول الأول عن ذلك.

وللمسؤولين العسكريين في إيران نصيبهم من التصريحات التي تعكس تلك الازدواجية في السياسة الخارجية الإيرانية وتؤكد أنها تقع ضمن تأثير العديد من مؤسسات النظام الإيراني. فممثل المرشد في الحرس الثوري السابق علي سعيدي يقول في دور المهدوية إنه «ومن أجل تعجيل عودة المهدي المنتظر فإنه يتوجب إحداث تغيرات في دول محيطة بإيران».

كما يرى اللواء إسماعيل قاءاني نائب القائد العام لفيلق القدس أنه لا يمكن التوقف عند سوريا فحسب، «فهدفنا يتمثل دائماً في قيادة العالم الإسلامي بأسره». وفي ما يتعلق بتوظيف النظام الإيراني لمصطلح «الصحوات الإسلامية» الذي يستخدمه النظام الإيراني في وصف ماسمّي بثورات الربيع العربي، ليعطي بعداً إسلامياً وتأثيراً إيرانياً على هذه الثورات عن طريق الثورة الإيرانية عام 1979، يرى إمام وخطيب جمعة طهران أنها تمهد للمهدي المنتظر وبالتالي فإنه يتوجب دعمها مادياً ومعنوياً.

مما تقدم يمكننا القول إن التباين والازدواجية هو أمر قائم في السياسة الخارجية الإيرانية، والتي تقع بين سندان آيديولوجية الثورة ومطرقة مفهوم الدولة. وتبقى للآيديولوجية الثورية دورها المحوري في السياسة الخارجية الإيرانية تخلق بدورها ذلك التباين في مبادئ السياسة الخارجية للنظام الإيراني.

وعلى الرغم من وجود مؤيد ومعارض لنهج بعض مؤسسات النظام الإيراني في أنشطتها الخارجية، إلا أنه يمكن القول إن جميعها تسعى في نهاية المطاف إلى هدف رئيس وهو أن تصبح إيران كما قال وزير الخارجية السابق ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي المفتاح الذهبي للشرق الأوسط والقوة الأولى فيها وأن العالم لا مناص له سوى التعاطي مع إيران. وبالتالي لا يمكن أن يكتمل الحزام الأمني للمنطقة من دون إيران كما قال السفير الإيراني السابق لدى فرنسا.

* محمد كاظم سجاد بور: جارجوب هاي مفهومى وبزوه شبراي مطالعه سياست خارجي إيران، جاب سوف، دفتر مطالعات سياسي وبين المللي مركز جاب وانتشارات وزارت امور خارجي، تهران، 1386هـ.ش ص 2.

* المرجع السابق ص 4.

* لمزيد من المعلومات حول دور البعد القومي في إيران وتأثيره على السياسة الخارجية انظر: أحمد صادقي: تبار شناس سياسي خارجي جمهوري إسلامي إيران: جايكاه هويت، فرهنك وتاريخ، فصلنامه سياست خارجي حال بيست ودوم، دفتر مطالعات سياسي وبين المللي وزارت امور خارجه، تهران، ص 256،259.

* سايت إيران دبلوماسي 17-آبان – 1391 هـ.ش www.irdiplomacy.ir

* زهرا بيشكاهي فرد: قلمروخواهي إيران وامريكا در خاورميانه، جاب دوم، سازمان جغرافيايي نيروهاي مسلح، تهران، 1388هـ.ش ص 42.

صلاحيات المرشد

حددت المادة العاشرة بعد المائة وظائف المرشد وصلاحياته على النحو التالي:

*  تعيين السياسات العامة لنظام إيران بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.

*  الإشراف على حسن إجراء السياسات العامة للنظام.

*  إصدار الأمر بالاستفتاء العام.

* القيادة العامة للقوات المسلحة.

*  إعلان الحرب والسلام والنفير العام.

*  نصب وعزل وقبول استقالة كل من:

• فقهاء مجلس صيانة الدستور.

• أعلى مسؤول في السلطة القضائية.

• رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في إيران.

• رئيس أركان القيادة المشتركة.

• القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية.

• القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي.

*حل الاختلافات وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث.

* حل مشكلات النظام التي لا يمكن حلها بالطرق العادية من خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام.

* إمضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب. أما بالنسبة لصلاحية المرشحين لرئاسة الجمهورية من حيث توافر الشروط المعنية في هذا الدستور فيهم فيجب أن تنال قبل الانتخابات موافقة مجلس صيانة الدستور، وفي الدورة الأولى تنال موافقة القيادة.

Ⅶعزل رئيس الجمهورية مع ملاحظة مصالح البلاد وذلك بعد صدور حكم المحكمة العليا بتخلفه عن وظائفه القانونية أو بعد رأي مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته السياسية، على أساس من المادة التاسعة والثمانين.

* العفو أو التخفيف من عقوبات المحكوم عليهم بعد اقتراح رئيس السلطة القضائية، ويستطيع القائد أن يوكل شخصاً لأداء بعض وظائفه وصلاحياته.

* انظر: قانون اساسي جمهور اسلامي إيران: دبير بررسي نهائي قانون اساسي، 1358 هـ.ش

* وكالة الأنباء الإيرانية 18-6-2013م

* سلطان محمد النعيمي (دكتور): الانتخابات الرئاسية الإيرانية، المؤثرات والنتائج 2013 نموذجاً، الطبعة الأولى، مركز المسبار، دبي، 2014م، ص 107.

* انظر: جهانبخش ايزدي (دكتور): ديبلماسي جمهوري اسلامي إيران (سياست خارجي، انرزي، هسته اي)، جاب أول، مؤسسه فرهنكى مطالعات وتحقيقات بين المللي ابار معاصر تهران، تهران، 1389هـ.ش، ص 40

* زهرا بيشكاهي فرد: قلمروخواهي إيران وامريكا در خاورميانه، مرجع سابق ص 52.

* حول نظرية أم القرى انظر: محمد جواد لاريجاني: مقولاتي در استراتزي ملي، مركز ترجمة ونشر كتب، تهران، 1369هـ.ش ص 43-60. علي رضا ازغندي (دكتور): سياست خارجي جمهوري إسلامي إيران، جاب جهارم، نشر قومس، تهران، 1386 هـ.ش، 34-36.

* فصلنامه مطالعات سياسي روز، سال جهارم، شماره شانزدهم، تابستان 1384هـ.ش، ص 8، نقلاً عن زهرا بيشكاهي فرد: قلمروخواهي إيران وأمريكا در خاورميانه، مرجع سابق ص 42.

* علي رضا ازغندي (دكتور): سياست خارجي جمهوري إسلامي إيران. (مرجع سابق) ص 34.

www.alalam.ir 17* اكتوبر-2014م

www.iran-newspaper.ir 21* آبان- 1393هـ.ش

* الدول الإسلامية التي يدعي وقوعها تحت نفوذ الغرب

* الدول النامية التي يدعي وقوعها تحت نفوذ الغرب

* الدول المتقدمة والمتوافقة مع الغرب

* الدول الأوروبية

* الولايات المتحدة الأميركية

معسكر المقاومين للهيمنة:

* حركات «التمرد» في الدول النامية

* الشعوب غير المسلمة في الدول غير النامية في إفريقيا و آسيا وأميركا اللاتينية

* إيران

معسكر الهيمنة:

* أكاديمي وباحث في الشؤون الإيرانية

العوامل الحاكمة في السياسة الخارجية للجمهورية الإيرانية

العوامل ذات الصبغة الرسمية

* المرشد:

وفق المادة 110 من الدستور وخصوصاً الفقرات 1- 2 - 8

* رئيس الجمهورية

وفق المواد 113، 121، 125، 128، 134، 137 من الدستور

* المجلس الأعلى للأمن القومي

وفق المادة 176 من الدستور

* مجلس الشورى الإسلامي

وفق المواد 67، 71، 76، 77، 78، 80، 81، 82، 84، 89 وخصوصاً عن طريق لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية

كما أن للوزارات والمؤسسات التنفيذية والجهاز القضائي والقوات المسلحة دورها في بنية السياسة الخارجية الإيرانية

Email