ثريا وإنصاف.. شقيقتان غريقتان في سيول تونس

ت + ت - الحجم الطبيعي

شقيقتان في مقتبل العمر، جرفتهما سيول الأمطار الطوفانية التي شهدتها ولاية نابل شمال شرق تونس، فأدميتا برحيلهما قلوب التونسيين، إنهما ثريا (26 عاماً) وإنصاف (20 عاماً) المنحدرتان من وسط ريفي متواضع، واللتان كانتا تسهمان بدور كبير في إعالة أسرتهما الفقيرة، نظراً لوضعية الوالد المادية، ولعدم وجود أخ يشاركهما حمل أعباء الحياة.

وفي الساعة الرابعة من بعد زوال السبت، كانت الأمطار تتساقط وكأنها قِرب فتحت من السماء، والأودية تتدفق بقوة في مسارات لم تجر بها منذ أكثر من 30 عاماً، وكل شيء يدلّ على أن نذر كارثة طبيعية بدأت تظهر في المنطقة.

عندها كانت ثريا وإنصاف في طريق العودة إلى منزل الأسرة بمنطقة المشروحة من معتمدية (مركز) بوعرقوب، بعد ساعات عمل مرهقة في أحد المعامل القريبة.

وعلى بعد 50 متراً من المنزل، اعترضهما أحد الأودية المتدفقة بقوة، فشعرتا بالخوف، فاتصلتا بوالدهما لتعلماه بحقيقة الوضع الذي تواجهانه، ثم حاولتا الاتصال بالدفاع المدني، فلم تجدا مجيباً نظراً لأن الجهاز كان يواجه ضغطاً كبيراً نتيجة الأوضاع الطارئة التي حلت بولاية نابل.

وبعد يئسهما من الحصول على أي مساعدة، وفشلهما في الاتصال بجهاز النجدة، غامرت الفتاتان بخوض غمار الأمواج الهادرة، محاولتين عبور الوادي، إلا أن السيول جرفتهما بعيداً، ليتم بعد ساعتين العثور على جثة ثريا بجسر وادي بني وائل، ثم استمر البحث، ليعثر المتطوعون من أبناء المنطقة، على جثة الشقيقة الثانية (إنصاف) في مفترق حي حشاد، وبين المكان الأول والثاني مسافة تبلغ خمسة كيلومترات.

وفي ظل حالة من الحزن العميق، تم نقل جثتي الضحيتين إلى المستشفى المحلي، بينما أصيبت والدتهما بحالة انهيار عصبي استدعى تدخلاً طبياً عاجلاً، كما اهتزت المنطقة لهول الفاجعة، وتداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مأساة الفتاتين.

وفي اليوم التالي انتقل رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وزعيم المعارضة اليسارية، حمّة الهمامي وعدد من الشخصيات السياسية والناشطين الاجتماعيين والحقوقيين، إلى منزل أسرة ثريا وإنصاف القماطي، وحضروا موكب دفن الضحيتين، بينما تداخلت أصوات النحيب مع الزغاريد التي عادة ما يودع بها غير المتزوجين إلى مثواهم الأخير.

وقال والد الفتاتين إنه فقد أجمل ما في حياته، والسند الذي كان يتكئ عليه، مؤكداً أن لا اعتراض على قدر الله، ولكن الخسارة كبيرة، والصدمة أكبر من أن يحتملها أو يستوعبها بسرعة، فقبل ساعات قليلة كانت ثريا وإنصاف تعانقانه بحب عميق وحنان دافق قبل أن تغادرا المنزل إلى العمل، لتعودا لاحقاً جثتين هامدتين.

Email