عصام.. بائع نفط تحت السن يحلم بالستر لا التسول

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الطريق الواصلة بين القامشلي وعين عيسى في مدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا شمالي سوريا، يجلس الطفل عصام ذو العاشرة من العمر أمام مجموعة من القوارير البترولية (بنزين ـ ديزل ـ مشتقات نفطية أخرى)، يراقب حركة السيارات المارة على الطريق الدولي، عله ينجح في بيع ما في حوزته من مشتقات النفط.

كلما خففت السيارات المارة من سرعتها هرع إليها ليقدم المشتقات النفطية، وفي أغلب الأحيان يقنع المارة بالشراء منه كونه الأصغر بين البائعين ويحظى بالتعاطف من الجميع.

قصة عصام طويلة بعمر الأزمة السورية التي شتتت آلاف العائلات في الداخل السوري، حيث كان الأصغر بين عائلة الخضر يكبره 3 شبان وفتاتان، وحين دارت الأيام في سوريا سيطر تنظيم داعش الإرهابي على المدينة وهجر قسماً من عائلته بينما قتل القسم الآخر، قسم ممن بقي في سوريا لم يحتمل الحياة والأوضاع القاهرة، وعلى مبدأ اللهم نفسي هاجر أخوة عصام إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا محتمين باللجوء، أما عصام الذي فقده أهله بعد دخول داعش، فلجأ إلى القامشلي وحين اندحر التنظيم من مدينته تل أبيض عاد إليها على أمل أن يجد أهله وداره التي تركها قبل أعوام.

يروي عصام لـ «البيان» تلك اللحظة التي عاد فيها إلى منزله في تل أبيض، وهو يتألم تارة وتدمع عيناه تارة أخرى، يقول:«سمعت أن داعش هرب من المدينة بعد معارك مع وحدات حماية الشعب، وسارعت في أقرب سيارة تذهب إلى هناك للذهاب إلى بيتنا ورؤية أسرتي، وعندما وصلت إلى هناك لم أرى بيتنا الذي تربيت في أركانه، وقفت متسائلاً، هل هذه مدينتي وقريتي، وهل هذا حقاً بيتي، كل شيء تغير في المدينة، أما بيتي فوجدته متهاوياً على الأرض، بينما المدينة خالية تماماً من السكان.. الكل أصبح في غياهب المجهول.

ويكمل قصته قائلاً، حل المساء علينا فأمرت الوحدات الكردية بمغادرة المدينة باعتبار جزء منها تحت خطر ألغام داعش، لكنني بكيت وطلبت البقاء حتى لو وحيداً، فأجبروني على الخروج إلى مخيم على أطراف المدينة.

ذهبت إلى هذه المخيمات ووجدت بعض الجيران السابقين، سألتهم عن أهلي فصمتوا وبكينا جميعاً فأخبروني أن قسماً منهم قتل والآخر هاجر إلى أوروبا.

قرر عصام أن ينسى ويكمل الحياة من أجل أن يعيش، فاتجه إلى تجارة النفط البسيطة على الطرقات، يشتري النفط من التجار الكبار ليبيعه بكميات قليلة على قارعة الطريق، هي المرة الأولى التي يمتلك فيها عصام مالاً.

يصف حاله والمال بين يديه، يقول: «للمرة الأولى أحصل على المال، وهذه المبالغ الكبيرة بسبب انهيار العملة السورية كانت أكبر مما أتصور، هنا الكل يشتري مني كونني الأصغر، لكن هذا المال بسيط جداً بالمقارنة مع التجار الكبار، لكنني سأكون تاجر نفط كبير في المستقبل، فقد علمتني الحرب كيف أصنع نفسي».

آخر كلمات عصام لـ «البيان» نريد الآن أن نعيش ولا نتسول، نريد أن يستر الله علينا من الحاجة، نحن أطفال في تجار النفط العميقة، كلمات عصام تبدو أكبر من سنه في بعض الأحيان لكن مدرسة الحرب أكسبته الخبرة في كل شيء.

Email