مراقبون لـ«البيان»: الموقف القطري في فلسطين ظاهره فيه «الإنسانية» وباطنه تمرير مخططات الاحتلال

الدوحة بوابة العبور لتصفية القضية الفلسطينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ساهمت العلاقات القديمة والدافئة، ما بين الدوحة وتل أبيب، في دعم وتعزيز المشروع الصهيوني، وتقويض حلم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ويظهر هذا الدور المشترك في تجليات مختلفة، ويصطف في مقدمتها تعزيز الانقسام بين شطري الوطن الفلسطيني «الضفة الغربية وقطاع غزة»، وإن بدت الدوحة كراعِ للمصالحة الفلسطينية في بعض المراحل.

الدور القطري، الذي لطالما عزف على وتر لم الشمل الفلسطيني، وإغاثة الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة، بات مكشوفاً ومفضوحاً، إذ ثبت بالدليل القاطع، أن الدوحة التي موّلت ودعمت حركة حماس للسيطرة على قطاع غزة، ما نتج عنه تجزئة الوطن الفلسطيني، لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال، أن تكون وسيطة أو راعية للمصالحة، وأنّ كل ما طرحته في هذا الإطار، لا يخرج عن ذرّ الرماد في العيون.

العلاقات القطرية الإسرائيلية ليست بالأمر الجديد، وإن نشطت في الآونة الأخيرة، وخرجت من السر إلى العلن، فهي قديمة قِدَم الاتفاقيات الدبلوماسية والتجارية والعسكرية الموقعة بينهما، قبل أكثر من 20 عاماً، طويلة بطول سنوات استهداف القضية الفلسطينية، متينة إلى حد مطالبة الدوحة العلنية، بضرورة رفع الحظر الاقتصادي والمقاطعة العربية للكيان الصهيوني!!.

ولطالما أعرب مسؤولون فلسطينيون عن تخوفهم من التدخل القطري المشبوه في الشأن الفلسطيني، وكان لهذا التخوف ما يبرره، بعد أن بلغ ذروته بتجاوز أمير قطر السابق، حمد بن جاسم، مؤسسة الرئاسة الفلسطينية، بزيارته إلى قطاع غزة العام 2012، حيث تسيطر حركة حماس، دون إعلام السلطة الفلسطينية بتلك الزيارة.

تنفيذ سياسة

الكاتب والباحث في العلاقات الدولية، حسين الكعابنة، أكد أن التدخلات القطرية في الشأن الفلسطيني، ليس صنيعة قطرية أساساً، بقدر ما هو تنفيذ لمخططات إسرائيلية أميركية، لافتاً إلى أن دولة الاحتلال هي من اختارت قطر لبناء علاقة قوية مع «حماس» لتسهيل السيطرة عليها، وهذا ما يظهر بوضوح في هذه الأيام، إذ أغرقت الدوحة قطاع غزة بمآس إنسانية وأوضاع معيشية صعبة، في ظل وعود إسرائيلية يتم تداولها سراً، ما بين حركة حماس وإسرائيل، لتحسين الأوضاع الإنسانية في القطاع، وكل ذلك بالتنسيق مع قطر.

وأوضح الكعابنة لـ«البيان» أن محاولات الدوحة العزف على الوتر الإنساني في غزة، باتت مكشوفة، ولا تنطلي على أصغر طفل في غزة، إذ يدرك الجميع أن الهدف منها فصل القطاع عن الضفة، والتمهيد لدويلة غزة، الأمر الذي ترفض القيادة الفلسطينية الشرعية، التعامل معه بأي شكل من الأشكال، مشدداً على أن الحل الأمثل لمشكلة غزة، تتمثل بتسريع عجلة المصالحة الوطنية، وتمكين حكومة التوافق الوطني الفلسطينية من القيام بمهامها هناك.

تمرير مخططات الاحتلال

واعتبر القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني، رائد عبد الله، لـ«البيان» أن التدخلات القطرية في الشأن الفلسطيني، تسببت بأزمة وفجوة كبيرة بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد، محذراً في الوقت ذاته، من مخطط إسرائيلي أميركي، تعمل قطر على تنفيذه، ويمعن في تمزيق الصف الفلسطيني، تحت شماعة تحسين الظروف الإنسانية.

وهاجم عبد الله الدوحة قائلاً: «لماذا لم تبادر قطر لتحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، قبل 11 عاماً، أم أنها اكتفت بتنفيذ مخططات الاحتلال هناك، وتثبيت وجودها في فلسطين، بعد أن تهاوى دورها في المنطقة العربية ككل، والساحة الدولية بوجه عام؟»، مشدداً على أن الدور القطري سياسي بحت، ولا علاقة له بالأوضاع الإنسانية.

وتابع: «قطر تستغل الأوضاع الإنسانية الصعبة في غزة، لإنشاء كيان سياسي مستقل في القطاع، والتأسيس لدولة غزة، وفصلها بالكامل عن الضفة الغربية، والفلسطينيون لن يقبلوا بالصفقة القطرية المشبوهة، فقطاع غزة هو جزأ هام من الأرض الفلسطينية، وليس ملكاً لحماس أو قطر، وبالتالي فالدوحة لا تملك الحق للتحدث باسم الفلسطينيين في قطاع غزة، فهي ليست أحرص عليهم من القيادة الفلسطينية الشرعية، التي تتولى المسؤولية الكاملة تجاه الأهل هناك، رغم سنوات الانقسام الطويلة، والتي حالت السياسة القطرية المشبوهة، دون طي صفحتها».

مندوب سامٍ للاحتلال

ويرى الكاتب والمحلل السياسي محمـد التميمي، أن الدوحة حاولت سحب ملف المصالحة من القاهرة، الأقرب للهم الفلسطيني، لكن سرعان ما انكشفت مصالحها من وراء ذلك، إذ ثبت بالدليل القاطع دورها في تغذية جذور الانقسام بين الفلسطينيين، خدمة لأهداف الاحتلال، مؤكداً أن المصالحة ستكون أقرب للتنفيذ، كلما ابتعدت الدوحة عن هذا الملف.

وأضاف لـ«البيان»: «تلعب الدوحة دوراً مشبوهاً في تجزئة التراب الوطني الفلسطيني، ونواياها باتت واضحة للجميع، وسفيرها في غزة، محمـد العمادي، أصبح يمثل دور المندوب السامي الجديد للاحتلال»، داعياً لرفض التعامل مع «عرّاب صفقة القرن»، الذي نشط مؤخراً في طرح حركة حماس، بديلاً لمنظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين، ضمن صراعه، لاستعادة دور إقليمي لبلاده، التي أضحت بلا أي ثقل، في الساحتين العربية والدولية.

علامات استفهام

ولعل أكثر ما يستفز الفلسطينيين، من المواقف القطرية، سعي الدوحة الدائم لاستغلال صعوبة الأوضاع في قطاع غزة، لتمرير ما يخطط له الاحتلال، وتحجيم قضيتهم العادلة، من خلال حصرها بالشق الإنساني، الأمر الذي ينتقص من قيمة المشروع الوطني التحرري الفلسطيني.

وفي الوقت الذي أعلنت فيه كل دول وشعوب العالم، رفضها لصفقة القرن، والمشروع الإسرائيلي الأميركي لتصفية القضية الفلسطينية، يبرز الدور القطري، خارجاً عن الصف القومي العربي، كعرّاب لهذه الصفقة، ولعل الأخطر في هذا الأمر، إن المواقف القطرية، لم تعد تتم بطرف خفي، بل إنها أصبحت علنية!!.

وأكثر ما يضع الموقف القطري أمام علامات استفهام كبيرة، زعم الدوحة وتظاهرها بدعم حركات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، فيما مواقفها على الأرض، تخدم مخططات الاحتلال، بل وتشكل درعاً واقية للمحتل، من خلال إطالة عمر الانقسام الفلسطيني، والسيطرة على حركة حماس، وحرف بوصلتها عن الأهداف التي لطالما تغنت بها، بمقاومة الاحتلال.

دور مزعوم

ويستغل النظام القطري، الانقسام الفلسطيني، للعب دوري تخريبي، يجري تنفيذه بغطاء الإنسانية، لكن المواقف القطرية الأخيرة، والتي بلغت حد لقاءات علنية لمسؤولين قطريين مع قادة الاحتلال، أثبتت أن لا صحة للمزاعم القطرية، بدور تنموي في قطاع غزة المنكوب.

وتبدو قطر كأداة طيّعة في يد الاحتلال الإسرائيلي، ولم يعد يخفى على أحد بأن مواقفها ذات العلاقة بالموضوع الفلسطيني، ما هي إلا صناعة إسرائيلية، الهدف منها الإمعان في تمزيق الصف الفلسطيني، باعتباره بوابة العبور لتصفية القضية الفلسطينية.

دور عبثي

كشف الباحث الإستراتيجي في العلاقات الدولية، حسني أبو سعدة، أن «تنظيم الحمدين» أظهر دوراً عبثياً في فلسطين، يجري تنفيذه تحت سمع وبصر قادة الاحتلال، لافتاً إلى أحد جوانب هذا الدور، تظهر بوضوح في مزاعم الدور الإنساني، الذي تتغنى به قطر.

وأوضح أبو سعدة لـ«البيان»: «حتى المساعدات القطرية المسمّاة إنسانية، فهي لا تصل إلى مستحقيها، وتذهب لجهات بعينها، في إشارة إلى حركة حماس، مؤكداً أن الادعاء القطري بلعب دور تنموي في غزة، لا أساس له من الصحة، فما يجري هو إدارة لمخطط احتلالي، يهدف لتقزيم الموقف الفلسطيني، وحصر القضية الفلسطينية بالموضوع الإنساني، على حساب المشروع الوطني التحرري، مضيفاً: «المواقف القطرية التي تلبس مُسوح الإنسانية، ما هي إلا واجهة للنظام القطري».

ويؤكد أبو سعدة، أن آلة الإعلام القطرية، ممثلة بقناة «الجزيرة» لعبت دوراً محورياً في إذكاء نار الفتنة بين الفلسطينيين من جهة، وسوّقت للمواقف الإسرائيلية من جهة أخرى، من خلال استضافتها المتكررة لقادة الاحتلال على شاشتها، الأمر الذي أثار الريبة والشبهة لهذه القناة، في أكثر من مناسبة.

وبيّن الباحث الإستراتيجي، أن المواقف القطرية التي تعكس مواقف دولة الاحتلال، تخرج من مكتب التمثيل الإسرائيلي في الدوحة، متسائلاً:«كيف يمكن لمن يقيم العلاقات الأمنية مع الاحتلال، أن يلعب دور الداعم والمساند للقضية الفلسطينية»؟؟.

تصريحات

تسببت تصريحات السفير القطري محمـد العمادي، بموجة غضب عارمة في الأوساط الفلسطينية، وصلت في بعض الأحيان حد السخرية، بعد أن أعلن دون أي التفات لمشاعر الفلسطينيين، بأن المشاريع والمنشآت القطرية، ستكون في مأمن، حيال أي هجوم إسرائيلي محتمل على قطاع غزة.

تصريحات العمادي بحسب مسؤولين فلسطينيين، تجاوزت كل الحدود، لدرجة أن البعض أعلن عنه شخصاً غير مرغوب فيه على الأرض الفلسطينية، بعد أن ظهر كمن يرسم سيناريو العدوان الإسرائيلي على القطاع، ملوحاً بصفقة مشبوهة جديدة مع دولة الاحتلال.

تطبيع علني

اعتبر الكاتب والمحلل السياسي محمـد جودة، تصريحات السفير القطري بمثابة التطبيع العلني ما بين الدوحة ودولة الاحتلال، لافتاً إلى أن هذا الموقف الموتور لقطر، يزيل كل الشكوك، حيال التنسيق المستمر مع حكومة بنيامين نتانياهو، والاتصالات المباشرة بينهما، والتي كانت آخر تقليعاتها، الاستهتار القطري الواضح بأرواح أكثر من مليوني فلسطيني، يصارعون للبقاء في القطاع.ويؤكد جودة في تعليقه لـ«البيان» أن السفير العمادي فقد بتصريحاته هذه، كل ما يتعلق بالدبلوماسية وخرج عن اللياقة السياسية، بل وتجاوز كل الخطوط الحمراء، إذ ظهر كمن يشتري بعض المنتفعين من المشاريع القطرية، التي في ظاهرها الرحمة، ولكن في باطنها المزيد من الفرقة والتمزيق للجسد الفلسطيني الواحد.

دور مضلل

قال المحلل السياسي أكرم النتشة أن «العمادي يحاول تمرير صفقة القرن في وقت تعثرت فيه الصفقة بعد إصرار الموقف الفلسطيني الرسمي، فهو يمارس الآن دورًا غريبًا بعد أن دعمت بلاده غزة بالمال السياسي، لذا موقفه مرفوض فلسطينيًا جملة وتفصيلًا».

وأضاف النتشة: «تحاول قطر من خلال عقد اتفاق بين حركة حماس وإسرائيل، أن تثبت للإدارة الأميركية بأن لها تأثير في المنطقة، وخاصة بعد العزلة التي عاشتها ومازالت تعيشها، ولكن أنى لقطر أن تثبت نفسها على حساب القضية الفلسطينية التي عبدت بدماء الشهداء».

وتابع: «أخشى أن تنساق حركة حماس للعرض القطري المضلل، وخاصة أنه لم يصدر من حركة حماس أي تصريح ينفي أو يؤكد ما ورد على لسان العمادي، وفي اعتقادي أن حماس تقرأ ردود الفعل قبل أن تصرح في هذا السياق، وفي المقابل فإن مصير القضية الفلسطينية ليس مرهونًا بحركة حماس وحدها».

Email