تقارير «البيان»

الانقلاب لايزال جاثماً على صدر غزّة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لربما هي «نكبة» في مفهومها السياسي أفرزت ما بعدها من تداعيات جسام شكلت نكبة إنسانية لا تزال آثارها الدامية باقية حتى الآن. كابد قطاع غزّة أحد عشر عاماً عجافاً من انقلاب حماس ولم يزل، لقد بدأت الحكاية بطمع سياسي نفذ وفق أبجديات مشبوهة صنعت من السلاح قوة غير شرعية أطاحت بالنظام الشرعي والمؤسساتي في القطاع لتجعل فلسطين ما بين ليلة وضحاها بحكومتين واحدة في الضفة وأخرى انقلابية، كما يسمها البعض من منظور قانوني تتولى زمام الأمور في غزّة.

في 25 يناير 2006 اكتسحت حماس النصيب الأكبر في انتخابات المجلس التشريعي، ليكون ثمن هذا النصر الانتخابي هزيمة ساحقة في النسيج السياسي والاجتماعي والاقتصادي لأهالي غزة، لتشكّل بعد ثلاثة شهور حكومة بمعزل عن وجود لحركة فتح ولفصائل سياسية أخرى.

لم يكن المشروع الانقلابي وليد لحظة بل جملة من التكتيكات والدعم جعلت منه أمراً واقعاً عبر دعم مالي ولوجيستي تصدرت قطر فيه المقام الأول بتقديمها السلاح لعناصر الحركة لدعم انقلابها على السلطة الشرعية في يونيو 2007 لتودي هذه الأحداث بمقتل أكثر من ألف فلسطيني معظمهم من أبناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فضلاً عن عشرات حالات البتر.

وتجري محاولات منذ ذلك الحين وحتى اليوم لردم هذه الهوّة من تاريخ الشعب ما بين مبادرات مصرية وغيرها، كان آخرها المبادرة المصرية التي كان من المتوقع على أثرها تمكين حكومة الوفاق الفلسطيني القيام بكافة مهامها في غزة، وتم الاتفاق بين الطرفين على استلام الحكومة الفلسطينية كافة معابر غزة وانتقال إدارة معبر رفح إلى الرئاسة الفلسطينية، وتسوية كافة القضايا الأمنية، لكن تعنّت الحركة حال دون إتمام المصالحة، وجعل من طي صفحة الانقلاب محض حلم، عبر قيام مجموعات بتفجير موكب رئيس الوزراء رامي الحمدالله، ورئيس جهاز المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج أثناء زيارتهما الأخيرة إلى القطاع.

انشقاق مجتمعي

لقد خلق الانقلاب حالة من الانشقاق المجتمعي والأسري بين أفراد الأسرة الواحدة، إذ يقول دكتور علم الاجتماع عاطف أبو مطر: «إننا اليوم كفلسطينين نأسف لما آلت عليه الأوضاع الفلسطينية منذ قيام الانقلابيين بالتعدي على الشرعية الفلسطينية، ما سبب شرخاً عميقاً في منظومة العلاقات الاجتماعية والإنسانية في قطاع غزة، وجعل من العائلات منقسمة بين حماس وفتح»، مضيفاً: «بالتأكيد عدد من الأسباب أدت للتردي السياسي والاقتصادي في قطاع غزة، لكن يبقى انقلاب حماس الدموي هو العامل الأبرز والأهم في إضعاف هيكلية القضية الفلسطينية والمشروع الفلسطيني برمته، ولن تطوى صفحة الانقلاب إلا بتراجع حركة حماس عن هيمنتها على القطاع».

عانى مواطنو القطاع من ويلات من حصار فرضته إسرائيل على حماس، وبلغت نسبة الفقر أكثر من 53 في المئة وفق آخر إحصائيات مركز الإحصاء الفلسطيني، فضلاً عن معاناة عشرات الآلاف من الخريجين من انعدام فرص العمل، وانقطاع التيار الكهربائي لأكثر من عشرين ساعة يومياً وشح في الأدوية والمستلزمات الطبية في المشافي، وتلوّث المياه.

طي انقسام

ويؤكّد الباحث السياسي د. أحمد وادي، أنّه قد آن الأوان لذهاب حركة حماس لانتخابات تشريعية يكون فيها قرار صناديق الاقتراع هو القرار الأول، مشيراً إلى أنّ الانتخابات هي الحل الذي يمكن من خلاله طي صفحة الانقسام وإنهاء مصطلح ما يعرف بحكومتين واحدة في غزة وأخرى في الضفة. وأوضح وادي أنّ المشهد اليوم لا يحتمل إلّا يداً واحدة وقراراً واحداً وقضية واحدة، ما يستوجب على الجميع التكاتف ونبذ كل الخلافات والتوحد أمام غطرسة الاحتلال والمشاريع التصفوية للقضيّة الفلسطينية.

فرض منطق القوة والسلاح نفسه على منطق القانون وشرعيته، فيما تتاح الخيارات في كل حدث سياسي وتظهر النوايا، إلّا أنّ خيار الانقلابيين هذه المرة كان خسارة، دفع ثمنها الشعب والقضية بأكملها.

Email