دماء شهيد في غزة تسري في عروق المنتفضين

ت + ت - الحجم الطبيعي

يضيع الرشد من أذهان الناظرين حين تتجلى نماذج كهذه تصارع الحياة في سبيل الحياة. شباب يتبرعون بدمهم بالأمس ليغدوا شهداء اليوم، في صورة اختزلت كيف يمكن لأصحاب حق أن يواجهوا أعتى آلة حرب، معوّلين على أنفسهم التي لم تبخل يوماً على وطن استقر حبه بين الضلوع، فلا ريب من هذه المشاهد الدقيقة أن يتبناها شعب لم يثنه حجم مصابه ولا فقره عن المطالبة بحقه بنهم مروع، غارساً جراحه بين حنايا صدره ليختلط دمه بدمعه.

المسيرات السلمية في غزة أثبتت للعالم أحقية هذا الشعب في أرضه، وأحرجت إسرائيل بين العالم بأنها الدولة التي تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان داخل أسوارها فقط، وحين يتعلق الأمر بالفلسطينيين فلك أن ترى من الوحشية ما يبرهن أن إسرائيل هذه لم تكن يوماً إلا دولة إرهاب. الشهيد معتز النونو أحد المشاركين في مسيرات العودة الكبرى. ذهب وظن أنه سيعود ناجياً من بطش محتل شرس، كما ظن آخرون هم أيضاً لقوا حتفهم شهداء إلى دروب السماء بعد أن اختاروا درب الكفاح من أجل وطن لا هو بخل عليهم يوما ولا هم ضنوا عليه فوهبوه الروح.

متبرّع بالدم

الشهيد معتز النونو كان قبل استشهاده من السباقين للتبرع بالدم للجرحى الذين أصيبوا في مسيرات العودة منذ بدء انطلاقها في الثلاثين من مارس، معتبراً هذا الصنيع حقاً وواجباً عليه تجاه إخوانه الجرحى. يشاء القدر وقبل استشهاد معتز بلحظات أن يصر على تبرّعه بالدم للجرحى كما المعتاد حين تواجده على الحدود إلا أن رصاصة الغدر قد باغتته فسلبت منه رائحة حياة كان يمنحها بدمه لجرحى آخرين.

ودفع الشح في الأدوية ووحدات الدم معتز وغيره للتبرّع بالدم للجرحى، ليأتي اليوم الذي يلبي فيه معتز نداء الأرض فيتبرع بدمه وروحه لثراها في صورة لا تكاد أن تقل نبلاً عن تبرّعه في السابق لإخوانه الجرحى.

الطبيب معتصم النونو يمارس عمله في المشفى كطبيب مضمداً جراح المصابين وفي أوج عمله يتفاجأ أن من بين الشهداء الذين جاءوا للمشفى محملين على الأكتاف أخوه الشهيد معتز النونو.

نظرة الوداع

يقول الطبيب معتصم: كان مجيء أخي للمشفى صاعقة بالنسبة لي. كنت لا أدري حينها إن كان عليّ مواصلة عملي كطبيب أم أظل شاخص البصر مودّعاً أخي معتز في آخر وداع بيني وبينه. ويضيف: إسرائيل دولة حرب، ولم تفهم معنى هذه المسيرة السلمية.

Email